لا يتقدّم أحد معمولي إنّ وأخواتها عليها : «ولا يتقدّم أحد معموليها» من الاسم والخبر «عليها مطلقا» ، أي ظرفا أو جارّا ومجرورا كان الخبر وغيره ، فلا يقال : زيدا إنّ قائم ، ولا قائم أو عندك أو في الدار إنّ زيدا ، وذلك لأنّ لها صدر الكلام فلو قدّم زالت الصدريّة ، وأمّا أنّ المفتوحة فإنّه وإن لم يكن لها صدر الكلام ، لكنّها كالموصول ، إذ هي مع معموليها في تأويل المفرد ، فلا يتقدّم عليها شيء منها.
قال الرضيّ : كلّ ما يغيّر معنى الكلام ، ويؤثّر في مضمونه ، وكان حرفا ، فمرتبته الصدر ، كحروف النفي والتنبيه والاستفهام والتشبيه والتحضيض والعرض وغيرها لينبيء السامع ذلك الكلام من أوّل الأمر على ما قصد المتكلّم. وكلّ واحد من هذه الحروف يدلّ على قسم من أقسام الكلام بخلاف أنّ المكسورة ، فإنّها لا تدلّ على قسم من أقسامه بل هي لتوكيد معنى الجملة فقط ، والتوكيد تقوية الثابت ، لا تغيير المعنى ، إلا أنّها مع ذلك وقعت موقع حرف ابتداء كاللام ، فوجب تصدّرها ، وأمّا المفتوحة فلكونها مع جزئيها في تأويل المفرد ، وجب وقوعها مواقع المفردات كالفاعل والمفعول وخبر المبتدأ والمضاف إليه ، فلا تتصدّر ، وإن كانت في مقام المبتدأ الّذي حقّه الصدر ، انتهى.
لا يتقدّم خبر إنّ وأخواتها على اسمها إلا إذا كان ظرفا : «ولا» يتقدّم «خبرها على اسمها» لضعفها في العمل ، لأنّها إنّما عملت بالحمل على الفعل لمشابهتها له فيما مرّ «إلا إذا كان الخبر ظرفا أو جارّا ومجرورا» ، فإنّه يجوز تقدمّه على اسمها حينئذ من الجواز بمعنى مقابل الامتناع فيشمل ما تقدمّه واجب وجائز ، «نحو قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) [آل عمران / ١٣]» ، (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) [المزمل / ١٢] ، فتقدّم الخبر على الاسم في الآية الأولى واجب ، لأنّه لو أخّر لزم إيلاء لام الابتداء لأنّ وهو ممتنع ، وفي الثانية جائز على ما نصّ عليه الجرجانيّ ، واعتمده غيره من جواز كون اسم أنّ نكرة محضة ، وإنّما جاز ذلك مع الظرف والمجرور ، لأنّهم يتوسّعون فيهما ما لا يتوسّعون في غيرهما ، وما ألطف قول ابن عنين (١) يشكو تأخرّه [من الطويل] :
١٤٨ ـ كأنّي من أخبار انّ ولم يجز |
|
له أحد في النحو أن يتقدّما |
عسى حرف جرّ من نداك يجرّني |
|
إليك فأضحي في ذراك مقدّما |
__________________
(١) ابن عنين (أبو المحاسن محمد) (١١٥٤ ـ ١٢٣٣) شاعر دمشقي هجّاء رحّالة من أعظم شعراء عصره ، له ديوان. المنجد في الأعلام. ص ١١.