علّة توسّعهم في الظرف والمجرور : فائدة : إنّما جرت عادتهم بالتوسّع في الظرف والمجرور ، لأنّ كلّ شيء من المحدثات فلا بدّ أن يكون في زمان أو مكان إلا نادرا فصار مع كلّ شيء كقريبة ولم يكن أجنبيّا منه ، فدخل حيث لا يدخل غيره كالمحارم تدخل حيث لا تدخل الأجنبيّ ، وأجرى الجارّ مع المجرور مجراه لكثرته في الكلام مثله واحتياجه إلى الفعل أو معناه ولمناسبته له لأنّ الظرف في الحقيقة جار ومجرور لكونه بمعنى في ، قاله الرضيّ وغيره (١).
الأقوال في الظرف والمجرور هل هما نفسهما الخبر أم لا : تنبيهات : الأوّل : ظاهر كلامه أنّ الخبر هو الظرف والمجرور نفسهما ، وفي ذلك أقوال : أحدها : وهو قول ابن كيسان : إنّ الخبر في الحقيقة هو العامل المحذوف ، وإنّ تسمية الظرف والمجرور خبرا مجاز ، وعليه جمع من المحقّقين منهم ابن مالك (٢) وابن هشام. الثاني : هو قول أبي على وتلميذه أبي الفتح : إنّه الظرف والمجرور نفسهما ، وإنّ العامل صار نسيا منسيّا ، الثالث : وهو مرتضي الرضيّ والسّيّد عبد الله (٣) ، إنّه هما ومتعلقهما ، والأوّل هو التحقيق.
الثاني : استثني ابن هشام في الأوضح «عسى» بمعنى لعلّ ، فلا يجوز تقديم خبرها على اسمها مطلقا ، سواء كان ظرفا أو غيره.
الثالث : لا يجوز تقديم معمول خبر هذه الأحرف عليهنّ مطلقا ولا على اسمهنّ إلا إذا كان ظرفا أو مجرورا ، وأطلق المنع بعضهم ، ويجوز توسّطه بين الاسم والخبر مطلقا ، نحو : إنّ زيدا طعامك آكل.
قد يحذف كلّ من اسم إنّ وأخواتها وخبرها : تكميل : قد يحذف كلّ من اسمهنّ وخبرهنّ فيحذف الاسم عند الجمهور في فصيح الكلام ، ويكثر إذا كان ضميرشان ، كقوله [من الخفيف] :
١٤٩ ـ إنّ من لام في بني ابنة حسّا |
|
... ن ألمه وأعصه في الخطوب (٤) |
__________________
(١) في «ح» من «معناه» إلى «غيره» سقط.
(٢) قال الشارح : إنّ ابن مالك من المحقّقين الّذين يعتقدون أنّ الخبر في الحقيقة هو العامل المحذوف ، ولكنّه قال في الألفية :
وأخبروا بظرف أو بحرف جر |
|
ناوين معنى كائن أو استقر |
(شرح ابن عقيل ١ / ٢٠٩).
فيذهب ابن مالك في الألفية إلى أنّ الظرف والجارّ مع مجروره قد يقع كلّ منهما خبرا لا بنفسه ، ولكن بمتعلّقه.
(٣) لعلّه عبد الله بن إسحاق (ت ٧٣٥) نحويّ ، أقدم النحاة الّذين ذكرهم سيبويه في «الكتاب». المنجد في الاعلام. ص ٣٦٦.
(٤) هو من قصيدة للأعشي واسمه ميمون بن قيس يمدح بها آل أشعث بن قيس. اللغة : لام : فعل ماضي من اللوم بمعنى العذل ، الخطوب : جمع الخطب أي الأمر العظيم.