وقد اعترض عليهم جماعة من أهل البيان كالسكاكيّ واتباعه من النّحويّين كأبي حيّان ، وابن هشام قال في المغني : إنّ ما ذكروه مبنيّ على مقدّمتى ن باطلتين بإجماع النّحويّين ، إذ ليست إنّ للاثبات ، وإنّما هي لتوكيد الكلام إثباتا كان ، مثل إنّ زيدا قائم ، أو نفيا ، مثل إنّ زيدا ليس بقائم ، ومنه (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) [يونس / ٤٤] ، وليست ما للنفي ، بل هي بمترلتها في أخواتها أي ليتما ولعلّما ولكنّما وكأنّما.
وبعضهم ينسب القول بأنّها نافية للفارسيّ في كتاب الشيرازيّات (١) ، ولم يقل ذلك الفارسيّ في الشيرازيّات ولا غيرها ، ولا قاله نحويّ غيره ، وإنّما قال الفارسيّ في الشيرازيّات : إنّ العرب عاملوا أإنّما معاملة النفي وإلا في فصل الضمير كقوله [من الطويل] :
١٥٨ ـ ... وإنّما |
|
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (٢) |
انتهى.
ويدفع هذا التهويل ما أجاب به العلامة التفتازاني في سرح المفتاح عن الأصوليّين ، فقال : المراد أنّ كلمتي إنّ وما في الأصل كذلك ، فناسب أن يعتبر فيها هذا المعنى ، انتهى.
وتوضيحه أن الأصوليّين لم يريدوا أنّ كلّ واحد من الحرفين أعني أنّ وما باق حال التركيب على معناه الأصلي ، ليتّجه عليهم ما ذكرتموه بل هو بيان مناسبة لتضمّن إنّما معنى النفي والاثبات ، فإنّ المفردين لمّا كان أحدهما حال الانفراد بمعنى الإثبات ، والأخر بمعنى النفي ، ناسب ذلك أن يضمن المركّب منهما معنى النفي والإثبات معا ، قال المحقّق الشريف : وهذه المناسبة أقوي من الّتي ذكرها على بن عيسى الربعيّ (٣) ، وعوّل عليه السكاكيّ في توجيه إفادتها الحصر.
محلّ فتح همزة أنّ وجواز الأمرين : «والمصدر إن حلّ محلّ أنّ» ومعموليها بأن وجب ذلك ، «فتحت همزتها» وجوبا للفرق بينها وبين المكسورة و «إلا» يحلّ المصدر محلّ أنّ ومعموليها بأن لا يجوز ذلك «كسرت» همزتها وجوبا ، «وإن جاز الامران» وهما الحلول وعدمه «جاز الأمران» ، أي فتح الهمزة وكسرها ، وسلم تعبيره بالمصدر عمّا
__________________
(١) الشيرازيات في النحو لأبي على الفارسي. المصدر السابق ٢ / ١٠٦٨.
(٢) صدره «أنا الذائد الحامي الذمار» ، وهو للفرزدق. اللغة : الذائد : المانع ، الذمار : ذمار الرجل ، وهو كلّ ما يلزمك حفظه وحياطته وحمايته والدفع عنه.
(٣) على بن عيسى بن الفرج بن صالح الرّبعيّ أحد أئمة النحو وحذّاقهم الجيّدي النظر ، الدقيقي الفهم والقياس. أخذ عن السيرافي ولازم الفارسي عشر سنين ومات ببغداد. بغية الوعاة ٢ / ١٨١.