شروط العطف على المحلّ : قال : وإنّما دعاه إلى هذا التكلّف أنّه رأي سيبويه مستشهدا على العطف على محل المكسورة بقوله (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة / ٣] ، وكذا مستشهدا بقوله [من الوافر] :
١٦٤ ـ وإلا فاعلموا أنّا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق (١) |
على العطف على محلّ اسم المكسورة بتقدير حذف الخبر من الأوّل ، والتقدير : أنّا بغاة ، وأنتم بغاة ، فلولا أنّ المفتوحة بعد فعل القلب في حكم المكسورة لما صحّ منه الاستدلال المذكور.
وبعض النحاة لمّا رأي سيبويه يستشهد للمكسورة بالمفتوحة ، قال : إنّ المفتوحة حكمها مطلقا حكم المكسورة في جواز العطف على محلّ اسمها بالرفع ، لأنّها حرفان مؤكّدان أصلهما واحد ، فيجوز العطف بالرفع ، نحو : بلغني أنّ زيدا قائم وعمرو. والسيرافيّ ومن تابعه لم تلتفتوا إلى استدال سيبويه ، فقالوا : لا يجوز العطف على محلّ المفتوحة مطلقا ، إذ لم يبق معها الابتداء ، بل هي مع ما في حيّزها في تأويل اسم مفرد مرفوع أو منصوب أو مجرور ، فاسمها كبعض حروف الكلمة ، انتهى.
وليس رفع المعطوف على أسماء هذه الثلاثة الأحرف المذكورة مطلقا ، بل بشرط مضيّ الخبر ، كقوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبه / ٣] ، وقول الشاعر [من الطويل] :
١٦٥ ـ فمن يك لم ينجب أبوه وأمّه |
|
فإنّ لنا الأمّ النّجيبة والأب (٢) |
وقول الآخر [من الطويل] :
١٦٦ ـ وما قصّرت بي في التّسامي خؤولة |
|
ولكنّ عمّي الطّيّب الأصل والخال (٣) |
وإنّما لم يصحّ قبل مضيّ الخبر ، نحو : إنّ زيدا وعمرو قائمان ، لئلا يتوارد عاملان مستقلّان ، هما الابتداء وإنّ على معمول واحد ، هو الخبر ، فيعملان رفعا واحدا فيه وذلك لا يجوز ، لأنّ عوامل النحو عندهم كالمؤثّر الحقيقيّ ، والأثر الواحد لا يصحّ عن مؤثّرين مستقلّين ، كما برهن عليه في محلّه.
وخالف الكسائيّ والفرّاء فلم يشترطا هذا الشرط تمسّكا بنحو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) [المائدة / ٦٩] ، وخرّج على أنّه مبتدأ حذف خبره ، والكلام على التقديم والتأخير ، أو دلّ بخبره على خبر إنّ ، ولا يلزمهما حديث
__________________
(١) هو من أبيات لبشير بن أبي حازم الأسدي. اللغة : البغاة جمع الباغي : الظالم ، الشقاق : العداوة.
(٢) البيت بلا نسبة اللغة : أنجب : ولد له ولد نجيب.
(٣) لم يسمّ قائله. اللغة : الخوولة : جمع خال ، أو مصدر لا فعل له. لسان العرب ١ / ١٩٩ (خول).