التعريف بالمؤلّف والكتاب : أمّا بعد ، فيقول الفقير إلى ربّه الغنىّ المغنىّ ، عليّ صدر الدين المدنىّ بن أحمد نظام الدين الحسينىّ الحسنىّ ، أنالهما الله بكرمه من فضله السنىّ (١) غير خائف : إنّ علم العربية من أهمّ ما تصرف إليه الهمم العلية ، إذ هو المرقاة (٢) إلى فهم كتاب الله العظيم ، والوسيلة إلى معرفة حديث نبيه الكريم [ص] ، وهما الذريعة إلى السعادة الأبديّة ، والتخلّص من الشقاوة السرمدية ، ولا جرم أنّه لا يحصى ما فيه للسلف والخلف من مصنّف ومؤلّف.
وإنّ من أحسن ما صنّف فيه المختصر المسمّى بالفوائد الصمدية ، صنّفه شيخنا الإمام العلامة والهمام (٣) القدوة الفهّامة ، سيد العلماء المحقّقين ، سند العظماء المدقّقين ، نادرة دهره وزمانه ، باقعة (٤) عصره وأوانه (٥) ، ملاذ (٦) المجتهدين وشرفهم ، بحر أولى اليقين ومغترفهم ، شيخنا بهاء الدين محمد العامليّ ، سقي الله ثراه ، وجعل بحبوبة الفردوس مثواه (٧). فإنّه كتاب منفرد في بابه ، قد انطوى من هذا العلم على لبّ لبابه ، اشتمل على مفرداته وجمله وقواعده وضوابطه ، ومثله ما دخل إليه أحد من باب الاشتغال رائد ، إلا وكان عليه بفرائد الفوائد عائد ، لكنّه ربّما احتاج في بعض المباحث إلى توضيح العبارة ، وتصريح ما أومي إليه ببديع الإشارة ، ولم يقع له مع ذلك شرح يبذل مصونه ، ويبرز من خباياه (٨) مكنونه.
فاستخرت الله تعالى ، وشرحته شرحا يكشف رموزه ، ويظهر من مطاويه (٩) كنوزه ، ويرفع حجابه ، ويعقل شوارده (١٠) ، ويذلّل صعابه ، مع فوائد ألحقتها وفرائد في سلك الإفادة نظمتها ، فجاء بحمد الله سبحانه وافيا بالمراد ، منهلا (١١) صافيا للرّواد والورّاد ومنطويا على درر الفوائد ، محتويا على غرر الفرائد ، وسمّيته بالحدائق الندية في شرح الفواعد الصمدية ، ومزجت عبارتى بعبارته ، وقرنت صريح كلامى بخفىّ إشارته ، فاعتدل بتوفيق الله [تعالى] مزاجهما ، واستبان بنور التّأييد منهاجهما ، وعمدتى
__________________
(١) السنيّ : الرفيع.
(٢) المرقاة : وسيلة الرّقيّ أو ألته.
(٣) الهمام : السّيّد الشجاع السخيّ من الرجال.
(٤) الباقعة : الداهية ، الحذر ، ذو حيلة وبصيرة بالأمور.
(٥) الأوان : الحين.
(٦) الملاذ : الملجأ والحصن.
(٧) المثوي : المترل
(٨) الخبايا : جمع الخبيئة وهو ما عمّي من شئ ثم سئل عنه.
(٩) المطاوي : جمع المطوي ، داخل الشئ.
(١٠) الشوارد : جمع الشارد أي الغريب والنادر.
(١١) المنهل : المورد ، أي الموضع الّذي فيه المشرب.