١٧٤ ـ بني غدانة ما إن أنتم ذهب |
|
ولا صريف ولكن أنتم الخزف (١) |
لعدم زيادتها مع ليس المحمولة عليها ، فإذا زيدت مع ما تباينا في الاستعمال ، والقول بأنّ إن هذه زائدة ، وأنّها تبطل العمل هو قول البصريّين. وذهب الكوفيّون إلى جواز النصب معها ، وأنّها نافية مؤكدة ، وعليه خرّج رواية ابن السكيت (٢) في البيت ذهبا وصريفا بالنصب ، قال بعضهم : وعندي أنّ الخلاف في إعمالها ينبغي أن يكون مرتّبا على هذا الخلاف.
لا يجوز الجمع بين حرفين متّفقي المعنى إلا مفصولا بينهما : قال الرضيّ : وردّ على الكوفيّين بأنّه لا يجوز الجمع بين حرفين متّفقي المعنى ، إلا مفصولا بينهما ، كما في إنّ زيدا لقائم ، وأمّا الجمع بين اللام وقد في نحو : لقد سمع ، مع أنّ في كليهما معنى التحقيق ، وفي ألا إنّ مع أنّ في ألا معنى التحقيق ، فلأنّ «قد» يشوبها معنيان آخران ، وهما التقريب والتوقّع ، فلم تكن لبحت التحقيق ، وكذا في ألا معنى التنبيه أيضا.
وإنّما اختصّت ما بهذا الشرط ، لأنّه لا يتأتّي مع لا فلا تزاد معها ، قيل : وفي كتاب الأزهية للهروي (٣) إنّها تزاد معها أيضا ، وأنشد عليه [من البسيط] :
١٧٥ ـ يا طائر البين لا إن زلت ذا زجل |
|
قال أراد لازلت وهو غريب (٤) |
ويشترط «في لا» خاصة «تنكير معموليها» أي اسمها وخبرها ، فلا تعمل في معرفة ، لا يقال : لا زيد قائما ، قالوا : وذلك لضعف مشابهتها لليس في خصوص النفي ، لأنّ ليس لنفي الحال ، وهذه لمطلق النفي ، ومن ثمّ شذّ عملها ، حتى ذهب الأخفش والمبرّد إلى منعه ، وخالف ابن جنيّ وابن الشجرى (٥) في هذا الشرط فأجازا إعمالها في المعارف ، وأنشدا للنابغة الجعديّ (٦) [من الطويل] :
__________________
(١) لم يسمّ قائله اللغة : بني غدانة حيّ من يربوع. الصريف : الفضّة الخالصة. الخزف : ما عمل من الطين وشوي بالنار فصارا فخّارا.
(٢) يعقوب بن إسحاق أبو يوسف بن السكيت ، كان عالما بنحو الكوفيّين وعلم القران واللغة والشعر ، له تصانيف كثيرة في النحو ومعاني الشعر وتفسير دواوين العرب ، وهو كان منادم المتوكّل وحينما سأله المتوكل يا يعقوب ، من أحبّ إليك؟ ابناي هذان (المعتز والمؤيد) أم الحسن والحسين؟ قال والله إن قنبرا خادم على خير منك ومن ابنيك. فقتل سنة ٢٤٤ ه. بغية الوعاة ٢ / ٣٤٩.
(٣) الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الهروى ، من تصانيفه : الأزهية في النحو ، كشف الظنون ١ / ٧٣.
(٤) وهو بلا نسبة. اللغة : البين : الفرقة ، الزجل : الصوت.
(٥) هبة الله بن علي من أولاد على (ع) المعروف بابن الشجرى ، كان أوحد زمانه وفرد أوانه في علم العربية وأشعار العرب ، صنّف : الأمالى ، كتاب الحماسة ، مات سنة ٥٤٢ ه. بغية الوعاة ٢ / ٣٢٤.
(٦) النابغة الجعديّ : أبو ليلي عبد الله بن قيس بن جعدة بن كعب بن ربيعة. مات بأصبهان سنة ٨٠ ه. أشهر شعره رائيته الّتي قالها في مدح الرسول (ص). الجامع في تاريخ الأدب العربي ١ / ٤١٦.