وأمّا مع الفصل فيكون تنبيها على أنّها لنفي الجنس في النكرة بخلاف ما إذا كانت عاملة عمل أنّ ، فعملها كاف في هذه التنبيه ، فتكرارها مع المعرفة ، «نحو : لا زيد في الدار ولا عمرو». وقوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) [يس / ٤٠] ، ومع الفصل نحو : لا في الدار رجل ولا امرأة. وقوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) [الصافات / ٤٠].
معنى لا نولك أن تفعل : وأجاز ابن كيسان والمبرّد عدم التكرار محتجّين بقوله : لا نولك أن تفعل ، وردّ بأنّه واقع موقع لا ينبغي ، فلا هذه في المعنى هي الداخلة على المضارع ، وتلك لا يلزم تكرارها ، والنول مصدر بمعنى التناول وهو هاهنا بمعنى المفعول ، أي ليس متناولك ومأخوذك هذا الفعل ، أي لا ينبغي أن تأخذه وتتناوله قاله الرضيّ ، ومن عدم تكرارها ضرورة قوله [من الطويل] :
١٩٣ ـ بكت جزعا واسترجعت ثمّ آذنت |
|
ركائبها أن لا إلينا رجوعها (١) |
في لا حول ولا قوّة إلا بالله خمسة أوجه : هذه «تصبرة ولك» في كلّ موضع كرّرت فيه «لا» على سبيل العطف وكان عقيب كلّ منهما نكرة مفردة بلا فصل نحو : «لا حول» أي عن المعصية ، «ولا قوّة» أي على الطاعة إلا بالله «خمسة أوجه» من الإعراب بالنسبه إلى المجموع :
أحدها : «فتحهما» أي فتح ما بعد لا الأولى وما بعد لا الثانية «على الأصل» من جعل لا في الموضعين لنفي الجنس ، فتبني اسميها كما لو انفردت كلّ منهما عن صاحبتها ، وتقدّر لكلّ منهما خبرا ، أي لا حول موجود ولا قوّة موجودة لنا ، فالكلام حينئذ جملتان. قال ابن الحاجب في شرح المفصل (٢) : ويبقي الإشكال في الاستثناء الواقع بعده ، وهو في المعنى راجع إلى الجملتين ، والاستثناء إذا استعقب الجملتين إنّما يكون للثانية. قال : وأشبه ما يقال إنّ الحول والقوّة لمّا كانا بمعنى كان كأنّه تكرار ، فصحّ رجوع الاستثناء إليهما لتنزّلهما منزلة شيء واحد ، انتهى.
ويجوز أن تقدّر لهما خبرا واحدا ، أي لا حول ولا قوّة موجودان لنا ، أمّا عند سيبويه على ما نقله عنه ابن مالك فلأنّ لا لا تعمل في الخبر مع التركيب ، فهي مع اسمها في
__________________
(١) لم يسمّ قائله. اللغه : الجزع : الخوف ، استرجعت : طلبت الرجوع من الرحيل لصعوبة فراق الأحبّة ، آذنت : أعلمت الركائب : جمع الركوبة : المطيّ.
(٢) المفصل في النحو للعلامة جار الله الزمخشري المتوفى ٥٣٨ ه ، وقد اعتني عليه أئمة هذا الفن فشرحه الشيخ أبو عمرو بن عثمان المعروف بابن الحاجب وسماه الإيضاح ، كشف الظنون ٢ / ١٧٧٤.