وأنشدوا عليها شعرا ، انتهى. وممّن نصّ عليها أيضا القاضي عياض في مشارق الأنوار (١) ، وكان أبو حيّان رجع عن إنكارها ، فذكرها في لمحته (٢) لاطلاعه بعد ذلك على ثبوتها ، وبهذا يدفع ما أشار إليه في التصريح من تناقض كلاميه والثلاثة لرجائه ، أي رجاء المتكلّم ثبوت الخبر للاسم في الاستقبال ، فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله وحذف فاعله ، والرجاء الطمع في المحبوب ، ووقع لابن مالك في سبك المنظوم أنّ اخلولق من أفعال المقاربة ككاد ، قال بعض الأئمة : وهو غريب مخالف لما في سائر كتبه.
قد تأتي عسى للإشفاق ، والخلاف في فعليتها : تنبيهان : الأوّل : قد تأتي عسى للإشفاق كالترجّي ، قال ابن هشام في شرح اللمحة : عسى طمع فيما تهواه ، وإشفاق فيما تخشاه ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : (عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [البقرة / ٢١٦] ، قال ابن برّي (٣) : ويحتمل أن يقال : إنّها تلازم المعنيين ، لأنّ المترجّي للشيء طامع فيه مشفق أن لا يناله (٤) ، والأجود أن يقال : إنّها للتوقّع كما في لعلّ ، فإن كان لمحبوب فهو الترجّيّ ، أو لمكروه فهو الإشفاق.
الثاني : القول بفعلية عسى مطلقا ، هو ما عليه الجمهور ، وذهب ثعلب وابن السّرّاج إلى أنّها حرف مطلقا ، وسيبويه فيما حكاه عنه السيرافيّ حين تتّصل بالضمير المنصوب ، كقوله [من الرجز] :
١٩٦ ـ ... |
|
يا أبتا علّك أو عساكا (٥) |
والصحيح الأوّل لاتّصال ضماير الرفع البارزة وتاء التأنيث الساكنة بها وذلك من آيات الفعل.
«وأنشأ وطفق» بفتح الفاء طفوقا ، وبكسرها طفقا ، ويقال : طبق بكسر الباء الموحدة ، وجعل وأخذ وعلق وهب ، والستّة «للشروع فيه» أي شروع اسمها في خبرها ، وأفعاله كثيرة ، أنهاها بعضهم إلى نيّف وعشرين فعلا.
__________________
(١) مشارق الأنوار على صحاح الآثار في تفسير غريب الحديث المختص بالصحاح للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى إليحصبي المتوفى سنة ٥٤٤ ه. كشف الظنون ٢ / ١٦٨٧.
(٢) اللمحة مختصر في النحو على سبعة أبواب للشيخ أبي حيان محمد ابن يوسف الأندلسي المتوفى سنة ٧٤٥ ه ، شرحه ابن هشام ، المصدر السابق ص ١٥٦١.
(٣) عبد الله بن برّي النحويّ اللغويّ ، كان قيّما بالنحو واللغة ، صنّف : اللباب في اللردّ على بن الخشاب في ردّه على الحريرى في درة الغواص. مات سنة ٥٨٢ ه. بغية الوعاة ٢ / ٣٤.
(٤) مشفق أن يناله «س».
(٥) تقدّم برقم ١٤٦.