الخبر جملة فعلية غير مبدوّة بمضارع ، وحكى الجرجانيّ استعمال مضارع واسم فاعل من عسى ، وحكى قوم استعمال اسم فاعل من كرب ، وحكى ابن أفلح منه مضارعا ، وأنّه يقال كرب يكرب كنصر ينصر.
كاد إثباتها نفي ونفيها إثبات : تنبيه : اشتهر القول بين المعربين أنّ كاد إثباتها نفيّ ، ونقيها إثبات ، فإذا قيل : كاد يفعل ، فمعناه أنّه لم يفعله ، وإذا قيل لم يكد يفعل فمعناه أنّه فعله ، دليل الأوّل : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) [الإسراء / ٧٣] ، وقوله [من الخفيف] :
٢٢٢ ـ كاد النّفس أن تفيض عليه |
|
إذا غدا حشو ريطه وبرود (١) |
ودليل الثاني : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة / ٧١] ، وقد جعل المعريّ ذلك لغزا فقال [من الطويل] :
٢٢٣ ـ أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة |
|
جرت في لساني جرهم وثمود |
إذا استعملت في صورة الجحد أثبت |
|
وإن أثبتت قامت مقام جحود (٢) |
والصواب أنّ حكمها حكم سائر الأفعال في أنّ نفيها نفي ، وإثباتها إثبات ، وبيانه أنّ معناها المقاربة ، ولا شكّ أنّ معنى كاد يفعل قارب الفعل ، أنّ معنى ما كاد يفعل ما قارب الفعل ، فخبرها منفيّ دائما ، أمّا إذا كانت منفية فواضح ، لأنّه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفي عقلا حصول ذلك الفعل ، ودليله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [النور / ٤٠] ، ولهذا كان أبلغ من أن يقال لم يرها ، لأنّ من لم يرقد يقارب الروية ، وأمّا إذا كانت المقاربة مثبتة فلأنّ الاخبار يقرب الشيء يقتضي عرفا عدم حصوله ، وإلا لكان الاخبار حينئذ بحصوله لا بمقاربة حصوله ، إذ لا يحسن في العرف أن يقال لمن صلّي قارب الصلاة ، وإن كان ما صلّي حتى قارب الصلاة ، ولا فرق فيما ذكرناه بين كاد ويكاد ، فإن أورد على ذلك : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة / ٧١] ، مع أنّهم قد فعلوا إذ المراد بالفعل الذبح ، وقد قال تعالى : (فَذَبَحُوها) [البقره / ٧١].
فالجواب أنّه إخبار عن حالهم في أوّل الأمر ، فإنّهم كانوا أوّل بعدا من ذبحها بدليل ما تلي علينا من تعنّتهم وتكرار سؤالهم ، ولمّا كثر استعمال مثل هذا في من انتفت عنه مقاربة الفعل أوّلا ثمّ فعله بعد ذلك توهّم أنّ هذا الفعل بعينه هو الدّال على حصول الفعل ، وليس كذلك ، وإنّما فهم حصول الفعل من دليل آخر كما فهم في الآية من
__________________
(١) البيت لمحمد بن مناذر أحد شعراء البصرة يرثي فيها رجلا اسمه عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي. اللغة : الريطة : الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ، وأراد هنا الأكفان الّتي يلف فيها الميت ، البرود : جمع برد.
(٢) هما لأبي العلاء المعري واسمه أحمد بن عبد الله التنوخي الشاعر اللغويّ ، مات سنة ٤٤٩ ه. اللغة : جرهم حي من اليمن ، وثمود : قبيلة أخري.