حذف عامله جوازا ووجوبا : ثمّ هو أعني المفعول المطلق يجوز حذف عامله لدليل قالي أو حالي كقولك للقادم ، أو لمن قال : سأقدم عليك خير مقدم أي قدمت ، ومنعه ابن مالك في عامل المؤكّد ، قال : لأنّه إنّما جئ به لتقويته وتقرير معناه ، والحذف مناف لهما ، وردّه ابنه بأنّه قد حذف جوازا في نحو : ما أنت إلا سيرا ، ووجوبا في نحو : سيرا سيرا وفي سقيا ورعيا ، وتعقبه ابن مالك لأنّ ما ذكره ليس من التأكيد في شيء ، لأنّ المصدر فيه نائب مناب العامل ، ودالّ على ما يدلّ عليه ، وهو عوض منه بدليل امتناع الجمع بينهما ، ولا شيء من المؤكّدات يمتنع الجمع بينه وبين الموكّد ، انتهى.
قال ابن هشام في بعض حواشيه على الخلاصة : والحقّ أنّ المصدر النائب عن عامله من قسم المصدر المؤكّد (١).
«ويجب حذف عامله» أي المفعول المطلق «سماعا» ولا يقاس عليه ، لأنّه لا ضابط له يعرف به ، وذلك في مصادر كثرت في استعمالهم ، فخفّفوها بحذف أفعالها ، ولم تسمع أفعالها معها مع كثرتها واحتياجهم إليها ، فدّل على وجوب حذفها ، فنصبها يدلّ على عاملها ، وجعل المصدر عوضا منها من حيث إنّه بمعناها ، فهي في المعنى معلّلة بالكثرة ، إلا أنّه لمّا لم يقدر على ضابط يعرف له ما كثر ممّا لم يكثر احتيج إلى السماع ، فلذلك أسند الحذف إليه ، نحو : سقيا ، أي سقاك الله سقيا ، ورعيا ، أي رعاك الله رعيا ، وحمدا ، أي حمدت حمدا ، وشكرا أي شكرت شكرا ، وجدعا أي جدعه الله جدعا.
قال الرضيّ (ره) : إنّ هذه المصادر وأمثالها إن لم يأت بعدها ما يبيّنها ، ويعيّن ما تعلّقت به من فاعل أو مفعول إمّا بحرف جرّ أو باضافة المصدر إليه ، فليست ممّا يجب حذف فعله ، بل يجوز نحو : سقاك الله سقيا ورعاك الله رعيا ، وجدعه الله جدعا ، وشكرت الله شكرا.
وفي نهج البلاغة في الخطبة البكالية «نحمده على عظيم إحسانه ، ونيّر برهانه ونوامي فضله وامتنانه حمدا يكون لحقه قضاء ولشكره أداء» (٢).
وأمّا ما بيّن بالإضافة أو بحرف الجرّ فاعله نحو : كتاب الله وصنيعة الله ، ونحو سحقا له وبعدا ، أو مفعوله نحو : ضرب الرقاب ، وسبحان الله ونحو شكرا له وعجبا منك ، ولم يكن من قبيل النوع ، نحو : (مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) [إبراهيم / ٤٦] ، (وَسَعى لَها
__________________
(١) هذا الرأي وفق قول ابن مالك بعيد عن الصواب ، لأنّه يعتقد أنّ حذف عامل المؤكّد لا يجوز ، لأنّه مسوق لتقرير عامله وتقويته ، والحذف مناف لذلك ، ويقول :
وحذف عامل المؤكّد امتنع |
|
وفي سواه لدليل متّسع |
(شرح ابن عقيل ١ / ٥٦٣)
(٢) نهج البلاغة ترجمة دكتر شهيدي الطبعة التاسعة عشر ، شركت انتشارات علمي وفرهنگي ١٣٧٩ ، رقم الخطبة ١٨٢ ص ١٨٩.