لازم الحذف ، وقد وقع له في باب المبتدإ ما ينافي هذا ، وذلك أنّه قال : الأصل في سلام عليك ، سلّمك الله سلاما ، ثمّ حذف الفعل للكثرة الاستعمال ، فبقي المصدر منصوبا ، وكان النصب يدلّ على الفعل ، والفعل يدلّ على الحدوث ، هذا هو الحقّ ، والأوّل غير مرضيّ.
ومنها ما وقع علاجيّا للتشبيه بعد جملة مشتملة على اسم بمعناه وصاحبه ، نحو : مررت به فإذا له صوت صوت حمار ، فصوت حمار وقع علاجا للتشبيه بعد جملة هي قوله : فإذا له صوت ، وهي مشتملة على الاسم الّذي بمعنى المصدر ، وهي صوت ومشتملة على صاحب ذلك الاسم ، وهو الضمير المجرور في له ، والجمهور على أنّ هذا المصدر منصوب بفعل مقدّر بين الجملة السابقة ، وبين المصدر تدلّ عليه الجملة المتقدّمة دلالة تامّة مغنية عنه ، فلهذا وجب حذفه ، والأصل له صوت يصوّت صوت حمار ، أي تصويت حمار ، وأقيم مقام المصدر كما في أنبت نباتا.
وظاهر كلام سيبويه أنّ المصدر منصوب بقوله : له صوت ، لا بفعل مقدّر ، ويجب الرفع في نحو : له علم علم الفقهاء ، لأنّ العلم ليس علاجيّا ، إذ العلاجيّ ما كان من أفعال الجوارح ، وفي نحو : صوته صوت حمار ، لعدم تقدّم الجملة وفي نحو : فإذا في الدار صوت صوت حمار ، ونحو : عليه نوح نوح حمام لعدم تقدّم صاحبه فيهما ، ويجوز النصب فيهما على الحال من الضمير ، والمستوفي الشروط إن كان جاز فيه الرفع على البدليّة والصفة ، أو أن يكون خبرا لمحذوف ، وان كان معرفة امتنعت الصفة إلا في الضرورة.
لبيك وسعديك : وأجازها الخليل على تقدير مثل وهل الرفع والنصب متكافئان ، أو لا خلاف ، ذهب ابن خروف إلى أنّ الرفع مرجوح ، لأنّ الثاني ليس هو الأوّل ، والنّصب سالم من هذا المجاز ، وابن عصفور إلى أنهما متكافئان ، لأنّ في النصب التقدير ، والأصل عدمه ، ومنها ما وقع مثنى دالّا على التكرير والتكثير ، نحو : لبيك ، وهو مثنى مصدر لبّ بالمكان إذا أقام به ، وجوّز أن يكون مصدر ألبّ بمعنى لبّ ، فيكون محذوف الزاوئد ، والوجه الأوّل ، لأنّ الأصل عدم الحذف ، فالأصل إذن ألبّ لك لبّين ، أي أقيم على طاعتك لبا كثيرا متتاليا متكرّرا ، وليس المراد خصوص الاثنين ، وجعلت التثنية دالّة على التكثير ، لأنّها أوّل تضعيف للعدد.
وزعم يونس أنّ لبيك مفرد كلديك ، والأصل لببب كجعفر ، قلبت الباء الأخيرة ياء لثقل التضعيف ، ثمّ قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثمّ صارت ياء بالاضافة إلى الضمير كلديك وعليك وسعديك ، وهي تابعة لبيك أي أسعدك