الأوصاف على المشهور ، ويجوز على ذلك من حيث الصناعة قطعهما مرفوعين ومنصوبين وبالتفريق (١).
قال ابن جنىّ (٢) في الخصائص : وما أحسنه هاهنا ، ذلك أنّ الله تعالى إذا وصف ، فليس الغرض من ذلك تعريفه بما يتبعه من صفته ، لأنّ هذا الاسم لا يتعرّض شكّ فيه ، فيحتاج إلى وصف لتلخيصه ، لأنّه الاسم الذى لا يشارك فيه على وجه ، وبقيّة أسمائه جلّ وعلا كالأوصاف التابعة للاسم ، وإذا لم يعترّض شكّ فيه ، لم تجئ صفته لتلخيصه ، بل للثناء على الله تعالى ، وإذا كان ثناء ، فالعدول عن إعراب الأوّل أولى به ، وذلك أنّ اتباعه إعرابه جار في اللفظ مجرى ما يتبع للتلخيص والتخصيص ، فإذا هو عدل عن إعرابه علم أنّه للمدح أو للذمّ فى غير هذا عن الله تعالى ، فلم يبق هنا إلا المدح ، فلذلك قويّ عندنا اختلاف الإعراب بتلك الأوجه التّى ذكرناها ، انتهى.
وذهب الأعلم (٣) وابن مالك (٤) وابن هشام (٥) إلى أنّهما مجروران ، أمّا الرحمن فعلى البدلية من لفظ الجلالة ولا يجوز كونه وصفا ، لأنّه صار علما بالغلبة ، وأما الرحيم فلكونه وصفا للرحمن ، فلا يجوز كونه وصفا للجلالة ، لأنّ البدل لا يتقدّم على الوصف.
قال [ابن هشام] في المغني : فالسؤال الذى سأله الزمخشرى وغيره ، لم قدّم الرحمن مع أنّ عادتهم تقديم غير الأبلغ كقولهم : عالم نحرير وجواد فيّاض ، غير متّجه وممّا يوضح أنّ الرحمن غير صفة مجيئه كثيرا غير تابع ، نحو ، (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن / ١] ، (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) [الإسراء / ١١٠] ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان / ٦٠] ، انتهى.
وابتدأ المصنّف ، رحمه الله ، كتابه بالبسملة ، اقتداء بالكتاب العزيز ، وما عليه الإجماع ، ولأنّه أمر ذو بال ، فينبغى افتتاحه بها لما ورد به الخبر «كلّ أمر ذى بال لم يبدأ
__________________
(١) يعني بما أنّ المنعوت «الله» متّضحا بدون الصفتين «الرحمن والرحيم» جاز فيهما الاتباع والقطع ، وإذا قطع النعت عن المنعوت رفع على إضمار مبتدأ ، أو نصب على إضمار فعل. وبالتفريق يعني برفع الأولى ونصب الثانية وبالعكس.
(٢) ابن جني : هو أبو الفتح عثمان بن جنيّ ، (٩٤٢ ـ ١٠٠٢) يونانىّ الأصل ، ولد فى الموصل قبل ٣٣٠ ه ، من آثاره : الخصائص وسرّ صناعة الإعراب. فؤاد إفرام البستاني ، دائرة المعارف ، ج ٢ ، بيروت ، لاط ، ١٩٦٤ م ، ص ٤١٥.
(٣) يوسف بن سليمان النحويّ الشنتمرىّ المعروف بالأعلم ، كان عالما بالعربيّة واللغة ومعاني الأشعار ، اشتهر بشروحه منها : شرح المعلّقات وشواهد سيبويه ، بغية الوعاة ج ٢ ص ٣٥٦.
(٤) أبو عبد الله جمال الدين ، من الأئمة المشهورين فى علم النحو ، ولد بالأندلس سنة ٦٠٠ ه ، من آثاره «الألفية في النحو» توفّي سنة ٦٧٢ ه بدمشق. فؤاد إفرام البستانىّ ، دائرة المعارف ، ج ٤ ص ١٧.
(٥) عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاريّ الشيخ جمال الدين النحويّ الفاضل والعلامة المشهور ، صنف : مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، شذور الذهب في معرفة كلام العرب و... ، بغية الوعاة ٢ / ٦٨.