أمّا عدم اطّراده فلدخول بعض أفراد المفعول له على قول الجمهور كما رأيت مع عدّه له قسما برأسه ، وقد مرّ التنبيه على ذلك ، وأمّا عدم انعكاسه فلعدم دخول المنصوب بفعل متعدّ إلى اثنين ، أحدهما بنفسه ، والآخر بوساطة حرف جرّ مقدّر. وهو جار في القياسيّ والسماعيّ معا أو إلى أحدهما بأحد الأمور الّتي يتعدّي بها الفعل القاصر ، وإلى الآخر بواسطة حرف جرّ مقدّر ، وذا في القياسيّ فقط لفظا ، وقد يكون تقديرا كما سيأتي بيانه ، فتأمّل.
«وهو» أي المنصوب بنزع الخافض «قياسيّ مع أن وأنّ» المصدّرتين بفتح الهمزة فيهما وتشديد النون في الثانية ، وإنّما كان معها قياسيّا لاستطالتهما بصلتهما ، نحو قوله تعالى : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأعراف / ٦٣] ، مثال لما هو مع أنّ المخفّفة النون ، أي من أن جاءكم ، ومثله قوله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) [الحجرات / ١٧] ، أي بأن ، (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) [الشعراء / ٨٢] ، أي في أنّ ، (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ) [الحجرات / ١٧] ، (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا) [المائدة / ٨٤] ، ونحو : عجبت أنّ زيدا قائم مثال لما هو مع أنّ المشدّدة النون ، أي من أنّ زيدا قائم ومثله قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) [الجن / ١٨] ، أي لأنّ. وهذه الأمثلة كلّها للمنصوب بفعل لازم.
وأمّا المنصوب بالمتعدّي إلى اثنين أحدهما بنفسه ، والأخر بحرف جرّ مقدّر ، فالأوّل نحو : وعدت زيدا أن أكرمه ، والثاني نحو : (يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) [المومنون / ٣٥] ، هذا في القياسيّ ، وأمّا السماعيّ فسيأتي. وأمّا المنصوب بالمتعدّي إلى اثنين أحدهما بأحد الأمور الّتي يتعدّي بها الفعل القاصر والثاني بحرف جرّ مقدّر فلفظا ، نحو : أكرمت زيدا أن يكرمني ، وأكرمته أنّه صالح ، وبعّدت زيدا أن يضرب ، وساعدت عمرا أنّه مظلوم ، وقس على ذلك ، وتقديرا نحو : إيّاك أن تحذف ، أي بعّد نفسك من أن تحذف.
يشترط في حذف الجارّ مع أن وأنّ تعيينه لأمن اللبس : تنبيهات : الأوّل : اشترط ابن مالك في حذف الجارّ مع «أن وأنّ» تعيين الجارّ ليؤمن اللبس ، فلا يقال : رغبت أن تفعل ، إذا لا يدري هل التقدير في أن تفعل ، أو عن أن تفعل ، واستشكله ابن هشام في الأوضح بقوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [النساء / ١٢٧] بحذف الجارّ ، مع أنّ المفسّرين اختلفوا في المراد ، وأجاب في المغني بأنّه أنّما حذف الجارّ للقرينة المعيّنة ، وإنّما اختلف العلماء في المقدّر من الحرفين في الآية لاختلافهم في سبب نزولها ، فالاختلاف في الحقيقة في القرينة ، انتهى.