رووه بخفض دين عطفا على محلّ أن تكون ، إذ أصله لأن تكون ، وقد يجاب بأنّه عطف على توهّم دخول اللام ، وقد يعترض بأنّ الحمل على العطف على المحلّ أظهر من المحلّ على العطف على التوهّم ، ويجاب بأنّ القواعد لا تثبت بالمحتملات ، انتهى.
حكم كي حكم أن وأنّ في جواز حذف الجرّ معها قياسا : الثالث : قال ابن هشام : أهمل النّحويّون ذكر كي هنا مع تجويزهم في نحو : جئت كي تكرمني ، أن تكون كي مصدريّة ، واللام مقدّرة قبلها ، والمعنى لكي تكرمني ، وأجازوا كونها تعليليّة ، وأن مضمرة بعدها ، ولا يحذف معها إلا لام العلّة ، لأنّه لا يدخل عليها جارّ غيرها ، انتهى. وقد أثبتها هو في الأوضح والجامع (١).
«وسماعيّ في غير ذلك» أي في غير أن وأنّ ، وأن لا يتجاوز به حدّ السّماع ، وهو إمّا شذوذا كقوله [من الوافر] :
٢٤٧ ـ تمرّون الديار ولم تعوجوا |
|
كلامكم عليّ إذا حرام (٢) |
أي بالديار أو على الديار ، والأوّل أولى لكثرته وقوله [من الطويل] :
٢٤٨ ـ تحنّ فتبدي ما بها من صبابة |
|
وأخفى الّذي لو لا الأسى لقضاني (٣) |
أي لقضا على ، وقوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف / ١٦] ، (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [البقرة / ٢٣٥] ، و (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) [البقرة / ٢٣٣].
قال الرضيّ : والأولى في مثله أن يقال ضمّن اللازم معنى المعتدّي ، أي يجوزون الديار ، وأخفى الّذي لو لا الأسى لأهلكني ، ولألزمنّ صراطك ، ولا تنووا عقدة النكاح ، وترضعوا أولادكم ، حتى لا يحمل على الشذوذ ، كما يضمن الفعل معنى غيره ، فيعدّي تعدية ما ضمّن معناه ، نحو قوله تعالى : (يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) [النور / ٦٣] أي يعدلون عن أمره ، انتهى.
وقال المصنّف في شرح الأربعين : التضمين أولى من الحمل على النصب بترع الخافض ، فإنّ التضمين أكثر ورودا في اللغة وأدقّ مسلكا ، انتهى.
ولكثرة الاستعمال «نحو : ذهبت الشام» أي إلى الشام ، لأنّهم كانوا ينتجعونها كثيرا ، فيحتاجون إلى الإخبار عن ذهابهم إليها غالبا ، فحذفوا الجارّ تخفيفا ، وذهب
__________________
(١) يعني في «أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك والجامع الكبير ، وقد تقدم ذكرهما.
(٢) البيت لجرير بن عطية. اللغة : لم تعرجوا : لم ترجعوا إليها.
(٣) هو لعروة بن حزام. اللغة : تحنّ : تشتاق : تبدي : تظهر ، الصبابة : رقّة الشوق وحرارته ، الأسي جمع أسوة : القدوة.