قال [السيوطي] في الهمع : وهذا هو المختار عندي لظهورها في بعض التراكيب كحديث : لتتبعنّ سنن الّذين من قبلكم باعا فباعا (١) ، وجزم بما قاله أوّلا بعض المحقّقين ، ويراد أنّ المجموع يستحقّ إعرابا واحدا ، إلا أنّه لمّا تعدّد ذلك المستحقّ مع صلاحية كلّ واحد للإعراب أجرى عليها إعراب الكلّ دفعا للتحكّم ، انتهى.
وقال ابن أمّ قاسم في شرح التسهيل ، ونصّ أبو الحسن على أنّه لا يجوز أن يدخل حرف العطف في شيء من هذه المكرّرات إلا الفاء ، قال الرضيّ : أو ثمّ ، نحو : مضوا كبكبة (٢) ثمّ كبكبة (٣). قال أبو حيّان : والتكرار في مثل هذا لا يدلّ على أنّه أريد به شفع الواحد بل الاستغراق لجميع الرّجال والأبواب ونحو ذلك ، انتهى.
قلت : ومنه قوله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا* وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(٤) [الفجر / ٢٢ و ٢١] ، وليس المكرّر فيهما توكيدا خلافا لكثير من النّحويّين ، ومن المكرّر لقصد الاستغراق قول العلماء : كلّ فرد فرد ، وكلّ واحد واحد ، والمختار في الجزء الثاني ما اختاره أبو حيّان في النصب.
الحال الموطئة : الثانية [جامدة غير مؤولة بالمشتقّ] في سبع مسائل ، وهي أن تكون موصوفة بمبيّن الهيئة ، نحو : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [يوسف / ٢] ، (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم / ١٧] ، وتسمّى حالا موطئة. قال الدمامينيّ : وأكثر الجماعة يقولون : موطّئة ، بكسر الطاء على أنّه اسم فاعل ، لأنّ الحال وهي الاسم الجامد ، وطّأت أي مهّدت الطريق لما هو حال في الحقيقة من الوصف الواقع بعدها وفي اللباب موطّأة بصيغة اسم المفعول ، قال شارحه صاحب العباب (٥) سمّيت الموطاة ، لأنّ ذلك الجامد وطّأ الطريق لما هو حال في الحقيقة ، وهذا إنّما يقتضي كونها موطئة ، لأنّ الجامد هو الحال ، وقد جعل موطئة لطريق حالية الوصف الواقع بعده ، انتهى.
__________________
(١) ويروى سنن من كان قبلكم. القزويني ، سنن ابن ماجه ، الطيعة الأولى ، بيروت ، دار الفكر ، ١٤٢١ ه ق. ص ٩٠٥ رقم ٣٩٩٤.
(٢) الكبكبة : الجماعة من الناس المتضّام بعضها إلى بعض.
(٣) حذف ثمّ كبكبة في «ط».
(٤) في الآية الأولى يبدو أنّه من الأفضل أن نعتبر دكّا الأوّل مفعولا مطلقا ، لأنّه من لفظ دكّت والثاني توكيدا. وفي الثانية من بين الوجوه الإعرابية المذكورة أحسن وجه هو أن نقول : صفا صفا ، ومثل ذلك ، كلاهما حال ، والحال هنا جاءت للتفصيل ، بعد ذكر المجموع ، والتكرار للدلالة على الاستيعاب.
(٥) العباب الزاخر ، في اللغة في عشرين مجلّدا للامام حسن ابن محمد الصغائي مات سنة ٦٥٠ ه ق. المصدر السابق ، ٢ / ١١٢٢.