يكن كذلك ، وأمّا إذا كان الحرف زائدا فلا يجب معه التأخّر اتّفاقا ، بل يجوز نحو : ما جاءني راكبا من أحد.
حكاية غريبة : قال التقيّ الشمنيّ في حاشية المغني : هاهنا حكاية أخبرنا بها إجازة وإن لم يكن سماعا شيخنا العلّامة أبو الفضل محمد بن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن الإمام التلمساني (١) ، قال : أخبرنا شيختا القاضي أبو سعيد العقباني (٢) ، قال : اجتمعت بمدينة مراكش بيهوديّ يشتعل بالعلوم ، فقال : ما دليلكم على عموم رسالة نبيكم؟ قلت له : قوله (ص) : بعثت إلى الأحمر والأسود (٣). فقال لي : هذا خبر أحاد فلا يفيد إلا الظّنّ ، والمطلوب في المسألة القطع ، فقلت له قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [السبأ / ٢٨] ، قال : هذا لا يكون حجّة إلا على من يقول بصحّة تقدّم الحال على صاحبها المجرور بالحرف ، وأنا لا أقول بصحته ، انتهى.
وأقول : الجواب عن اعتراض إليهوديّ على هذا الخبر الحقّ أنّه وإن كان أحادا في نفسه ، فهو متواتر معنى ، لأنّه نقل عنه (ص) من الأحاديث الدّالة على عموم رسالته ما بلغ قدر المشترك منه حدّ التواتر ، وأفاد القطع بنسبة معناه إليه ، وإن كانت تفاصيله أحادا كجود حاتم وشجاعة علي (ع) ، وإذا حصل القطع بنسبة معناه إليه حصل القطع بحقيقته ، لأنّ الرسول معصوم ، وكلّ ما هو خبر بالمعصوم حقّ ، وعن اعتراضه على الآية هو الاستدلال على صحّة تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف.
تنبيهات : الأوّل : يجب تأخّر الحال أيضا إذا كانت نكرة محصورة ، نحو : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [الأنعام / ٤٨] ، وكأنّه إنّما أهمل ذكره نظرا إلى أن شرطية عدم الحصر لمّا جوّز تقديمه من الأبواب ممّا الأصل تأخيره غير مختصّ بالحال ، قال في التصريح : ويمكن أن يجئ هنا خلاف الكسائيّ السابق فيما إذا تقدّم المحصور مع إلا ، إذ لا فرق بين الحال والمفعول.
الثاني : أفهم كلامه أنّ الحال إذا لم يكن صاحبها مجرورا لم يجب تأخّرها عنه ، بل يجوز التقديم ، وهو كذلك بأن كان مرفوعا أو منصوبا ، سواء كان ظاهرا أو مضمرا ، كجاء ضاحكا زيد ، وضربت مجرّدة هندا.
__________________
(١) لم اقع على ترجمة له.
(٢) سعيد العقباني (٧٢٠ / ٨١١ ه) قاض فقيه مالكيّ من أهل تلمسان ، له كتب منها «شرح جمل الخونجي» و «شرح الحوفية» الأعلام للزركلي ٣ / ١٥٤.
(٣) النيسابوري ، صحيح مسلم ، المجلد الأوّل ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤١٨ ه ، ص ٣٠٢ رقم ٥٢١.