هذا مذهب البصريّين ، وخالف الكوفيّون وابن الطراوة ، فأجازوا تعريف التمييز تمسّكا بما أوّله غيرهم.
«الرافعة للإبهام المستقرّ» أي الثابت في المعنى الموضوع له من حيث إنّه موضوع له ، فإنّ المستقرّ وإن كان بحسب اللغة هو الثابت مطلقا ، لكنّ المطلق منصرف إلى الكامل ، وهو الوضعيّ ، قاله صاحب الفوائد الضيائية ، ورام دفع ما أورده الرضيّ على ابن الحاجب ، حيث فسّر المستقرّ بالوضعيّ من أنّ لفظ المستقرّ لا يدلّ إلا على الثابت المطلق ، لكن قال بعضهم : هذا لا ينفعه في التفصي (١) عن الإيراد ، إذ الكامل هو الثابت في الوضع والاستعمال معا ، انتهى.
والاحتراز بهذا القيد عن نحو : رأيت عينا جارية ، فإنّ جارية رافعة للإبهام عن العين ، لكنّ الإبهام الحاصل في العين ليس مستقرّا بحسب الوضع بل نشأ من الاستعمال بإعتبار تعدّد الموضوع ، قال بعض المحقّقين : ولو فسّر المستقرّ بما هو الثابت في قصد المتكلّم فإنّ التمييز للتفسير بعدم الإبهام ليتمكّن في النفس ، فالابهام ثابت في القصد في صورة التمييز بخلاف رأيت عينا جارية ، فإن المقصود بالعين المعيّن إلا أنّه لزمه الإبهام من غير قصده فأزاله لكان حسنا ، انتهى.
«عن ذات» مذكورة لا وصف ، واحترز به عن النعت والحال ، فإنّهما وإن رفعا الأبهام المستقرّ لكن لا عن ذات ، بل عن وصف أو عن نسبة واقعة في جملة أو ما ضاهاها ، كما سيأتي بيانه.
تنبيهات : الأوّل : قال شيخ شيوخنا الحرفوشيّ في شرح التهذيب للمصنّف : وعبارته كعبارته هنا ، صنعه أولى من صنع الكافية ، وحيث قال عن ذات مذكورة أو مقدّرة ، انتهى.
وفي الألوية نظر ، بل الأولى ما في الكافية ، وجهه أنّك إذا قلت : طاب زيد نفسا لم يكن في طاب إبهام ولا في ذات زيد ولا في أصل النسبة ، فإنّها معلومة محقّقة ، وإنّما المبهم ذات مقدّرة ، والمعنى طاب أمر من أمور زيد ، ثمّ تفسّر ذلك الأمر بقولك : نفسا ، فالمبهم في الحقيقة هو الشيء المنسوب إليه لا النسبة ، وقولك : نفسا تمييز للمنسوب إليه المجهول لا لنفس النسبة ، ومن قال : إنّه تمييز عن النسبة كالمصنّف فقد تجوّز نظرا إلى أنّ الإبهام ناشيء عن جهة النسبة. وكذا الكلام في زيد طيّب نفسا ، ويعجبني طيبه نفسا.
الثاني : هذا الحدّ منقوض بنحو : رأيت شيئا ، أي حسن رجل والبدل في الضمير المبهم وصفات أسماء الإشارة ومن وما وأيّ ووصف العدد في نحو : قبضت عشرة
__________________
(١) التفصّي : التخلّص.