السابع : عدم توكيده لعامله بخلاف الحال ، فإنّها تكون مؤكّدة لعاملها نحو : (وَلَّى مُدْبِراً) [النمل / ١٠] ، فتبسّم ضاحكا ، وأمّا قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) [التوبة / ٣٦] ، فشهرا موكّد لما فهم من أنّ عدة الشهور ، وأمّا بالنسبة إلى عامله فهو اثنا عشر فمبيّن ، وأمّا إجازة المبرّد ومن وافقه نعم الرجل رجلا زيد فمردود ، بأنّ الإبهام قد ارتفع بظهور الفاعل ، فلا حاجة إلى التمييز ، وأما قوله [من الوافر] :
٢٧٦ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا |
|
فنعم الزّاد زاد أبيك زادا (١) |
فالصحيح أنّ زادا معمول لتزوّد إمّا مفعول مطلق إن أريد به التزوّد ، أو مفعول به إن أريد به الشيء الّذي يتزوّده من أفعال البرّ ، وعليهما فمثل نعت له تقدّم فصار حالا ، وأمّا قوله [من البسيط] :
٢٧٧ ـ نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت |
|
ردّ التّحيّة نطقا أو بايماء (٢) |
ففتاة حال مؤكدة.
هذا ما ذكره ابن هشام في المغني من وجوه الافتراق بينهما ، وقد زاد بعضهم وجوبا أخر : أحدها : أنّ التمييز قد لا يكون عامله فعلا أو شبهه ، نحو : عشرون في قولك : له عندي عشرون درهما. الثاني : أنّ التمييز بمعنى من والحال بمعنى في حال كذا. الثالث : أنّ التمييز قد يجرّ في بعض المواضع بخلاف الحال ، فإنّها واجبة النصب.
إذا كان التمييز مشتقّا احتمل الحال : «فإن كان» التمييز «مشتقّا احتمل» المشتقّ «الحال» ، نحو : لله درّه فارسا ، أي من حيث إنّه فارس ، أو حال كونه فارسا ، وذهب قوم إلى أنّ انتصابه في مثل هذا التركيب على الحال فقط ، وضعّفه ابن الحاجب في أمإلى المفصّل بأنّه لا يخلو من أن يكون حالا مقيّدة أو مؤكّدة. وكلاهما غير مستقيم ، أمّا المقيدة فلأنّ قولك : لله درّه فارسا لم يرد به المدح في حال الفروسيّة ، وإنّما تريد مدحه مطلقا ، بدليل أنّك تقول : لله درّه كاتبا ، وإن لم يكتب ، بل تريد الإطلاق ، كذلك لله درّه عالما.
والحال المؤكّدة أيضا غير مستقيم ، لأنّ الحال المؤكّدة شرطها أن يكون معنى الحال مفهوما من الجملة الّتي قبلها ، وأنت هاهنا لو قلت : لله درّه لكان محتملا للفروسية وغيرها ولكان قولك : لله درّه عالما أو رجلا أو كاتبا لا يفيد إلا ما أفاده الأول ، فدلّ والحالة هذه على انتفاء الحال المقيّدة ، والحال المؤكّدة ، وإذا بطلتا ثبت التمييز ، انتهى.
__________________
(١) البيت لجرير بن عطية ، اللغة : تزود : أصل معناه : اتخذ زادا ، وأراد منه هنا السيرة الحميدة.
(٢) لم يسمّ قائله. اللغة : الإيماء : الإشارة.