أولئك ، فحذف المضاف ، وجاء التمييز على وفقه ، وكذا إن لم يتّحدا فيطابق ، نحو : حسن زيد وجها والزيدان وجوها ، إن لم يلزم إفراد لفظ التمييز لإفراد معناه ، أو لكونه مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه.
فإن كان معنى التمييز مفردا تعيّن إفراد لفظه ، كقولك في أبناء رجل واحد. طاب الزيدون أصلا ، وكرموا أبا ، وكذا إن لم يقصد اختلاف أنواع المصدر ، نحو : زكا الأتقياء سعيا ، وخاب الأشقياء رأيا ، فلو قصد اختلاف المصدر لاختلاف محالّه جازت المطابقة ، نحو : تخالف الناس آراء ، وتفاوتوا أذهانا ، ومنه (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) [الكهف / ١٠٣] ، وإفراد المباين بعد جمع إن لم يوقع في محذور أولى ، فطاب الزيدون نفسا ، وقرّوا عينا أولى من أنفسا وأعينا لإفادة المقصود باختصار. قال تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) [النساء / ٤].
فإن أوقع في محذور تعيّن جمعه ، وإن كان بعد مفرد ، فتقول : كرم الزيدون بمعنى ما أكرمهم من آباء ، ولو أفردت لأوهم أنّ المقصود كون أبيهم واحدا موصوفا بالكرم ، وكذا تقول : نظف زيد ثيابا ، لأنّك لو قلت : ثوبا لأوهمت أنّه ثوب واحد (١) والناصب لمبيّن الذات المبهمة هو هي أي تلك الذات.
واختلفوا في صحّة إعمالها مع أنّها جامدة ، فقيل : لشبهها باسم الفاعل ، لأنّها طالبة له في المعنى ، فعشرين درهما شبيه بضاربين زيدا ، ورطل زيتا شبية بضارب عمرا في الاسميّة والطلب المعنويّ ووجود ما به التمام وهو التنوين والنون. وقيل : لشبهها بأفعل من وذلك في خامس مرتبة ، فإن الفعل أصل لاسم الفاعل ، لأنّه يعمل معتمدا وغير معتمد ، واسم الفاعل لا يعمل إلا معتمدا ، وهو أصل للصفة المشبهة ، لأنّه يعمل في السييّ والأجنبيّ ، فهي لا تعمل إلا في السييّ دون الأجبنيّ ، وهي الأصل لا فعل ، لأنّها ترفع الظاهر ، وهو لا يرفعه إلا في مسألة واحدة ، وهو أصل للمقادير لأنّه يتحمّل الضمير وهي لا تتحمّله ، وصحّح هذا القول ، لأنّ حمل الشيء على ما هو به أشبه أولى ، كذا في التصريح.
ناصب التمييز : «والناصب لمبيّن النسبة» عند سيبويه والمازنيّ والمبرّد والزجّاج والفارسيّ «هو المسند من فعل» ، كطاب زيد نفسا ، «أو شبهه» ، والمراد به هنا ما تضمّن معناه وحروفه من المصدر والوصف ، أو تضمّن معناه فقط كاسم الفاعل ونحو : لله درّه فارسا ، وعبّر في العمدة عن هذا بشبه شبهه ، وذهب قوم إلى أنّه العامل في مبيّن
__________________
(١) سقطت هذه الجمل في «س».