وجّهوه بأنّ إذ لمّا كانت لما مضي ، وكان الفعل الماضي مناسبا لها في الزمان ، وكانا في جملة واحدة لم يحسن الفصل بينهما ، بخلاف ما إذا كان مضارعا ، نحو : إذ زيد يقوم ، فإنّه حسن ، ونقض بنحو : إذا زيد يقوم وأجاب ابن الحاجب بأنّه لحكاية الحال ، والتزم الرضيّ قبحه أيضا. وشرط الفعلية أن يكون فعلها ماضيا لفظا ومعنى كما مرّ ، أو معنى لا لفظا ، نحو : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ) [البقرة / ١٢٧] ، وقد يحذف جزء هذه الجملة ، فيظنّ من لا خبرة له أنّها أضيفت إلى المفرد كقوله [من البسيط] :
٢٧٨ ـ هل ترجعنّ ليال قد مضين لنا |
|
والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا (١) |
والتقدير إذ ذاك كذلك.
وقد تحذف الجملة بأسرها ، ويعوّض عنها التنوين ، قال أبو حيّان : والّذي يظهر من قواعد العربية أنّ هذا الحذف جائز لا واجب ، وتكسر ذالها حينئذ لالتقاء الساكنين على الأصل ، كقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [الواقعة / ٨٤] ، أي حين إذ بلغت الروح الحلقوم ، وزعم الأخفش أنّ إذ حينئذ معربة ، والكسر جرّ إعراب بالإضافة لا بناء ، وحمله على ذلك أنّه جعل بناءها ناشيا عن إضافتها إلى الجملة ، فلمّا زالت من اللفظ صارت معربة ، وهو مردود بأنّه قد سبق لإذ حكم البناء ، والأصل استصحابه حتى يقوم دليل على إعرابه ، وبأنّ العرب قد بنت الظرف المضاف لإذ ولا علّة لبنائه إلا كونه مضافا لمبنيّ ، فلو كانت الكسرة إعرابا لم يجز بناء الظرف وبأنّهم قالوا : بفتح الذّال منوّنا ، وإن كان معربا لم يجز فتحه ، لأنّه مضاف إليه فدلّ [هذا] على أنّه مبنيّ مرّة على الكسر لالتقاء الساكنين ، وهو الغالب ، ومرّة على الفتح طلبا للتخفيف ، وسيأتي تمام الكلام على إذ في حديقة المفردات إن شاء الله تعالى.
«وحيث» ، نحو : جلست حيث جلس زيد ، وحيث زيد جالس ، وشرط الاسميّة أن لا يكون الخبر فيها فعلا ، نصّ عليه سيبويه ، وإضافتها إلى الفعلية أكثر. قال ابن النحاس : ليس في ظروف المكان ما يضاف إلى الجملة غير حيث لما أبهمت لوقوعها على كلّ جهة إحتاجت في زوال إبهامها ، أي إضافتها لجملة كإذ وإذا في الزمان ، انتهى.
وربّما أضيفت إلى المفرد كقوله [من الطويل] :
٢٧٩ ـ ... |
|
... حيث ليّ العمائم (٢) |
__________________
(١) لم يسم قائله لكن بعض المصادر تنسبه إلى عبد الله بن المعتز. وأكثر المصادر على أنه لا يوجد في ديوان ابن المعتز. اللغة : الأفنان : جمع فنن بمعنى الغصن الملتف ، أو جمع فنّ بمعنى الضرب من الشيء.
(٢) تمامه
«ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم |
|
ببيض المواضي ...» |
وهو منسوب للفرزدق وليس في ديوانه. اللغة : الحبا : جمع الحبوة بمعنى ما يحتبي به من ثوب وغيره ، البيض جمع أبيض بيضاء بمعنى السيوف ، المواضي : جمع الماضي بمعنى القاطع.