دعا شرّاح كلام ابن الحاجب في كافيته إلى حمل عبارته على أنّ المضاف يكون فعلا تعريفه لحروف الجرّ بأنّها ما وضع لافضاء الفعل أو معناه إلى ما يليه ، وهو صريح في ذلك.
«والمشهور من حروف الجرّ أربعة عشر» حرفا بإسقاط عدا وخلا وحاشا ولعلّ ومتى وكي ، فجملتها مطلقا عشرون ، ودعوى كون الثلاثة الأوّل غير مشهورة غير مسلّمه ، فإنّها ليست في الاشتهار دون ما ذكره ، وإن نصبت أفعالا ، لكنّ الجرّ بها ثابت بالنقل الصحيح في الكلام الفصيح ، وسيأتي الكلام عليها في باب الاستثناء إن شاء الله تعالى. وأمّا الثلاثة الأخيرة فشاذّة ، أمّا لعلّ فلا يجرّ بها إلا عقيل. قال شاعرهم [من الوافر] :
٣٢٥ ـ لعلّ الله فضّلكم علينا |
|
... (١) |
بجرّ لفظ الجلالة ، ولهم في لامها الأولى الإثبات والحذف ، وفي الثانية الفتح والكسر.
وأمّا متى فلا يجرّ بها إلا هذيل (٢) ، وهي عندهم بمعنى من الإبتدائية. سمع من بعضهم : أخرج متى كمّه ، وقال أبو ذويب الهذلي (٣) ، يصف السحاب [من الطويل] :
٣٢٦ ـ شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت |
|
متى لجج خضر لهنّ نئيج (٤) |
وأمّا كي فعدّها من حروف الجرّ مذهب البصريّين ، قالوا : ولا يجرّ بها إلا ما الاستفهامية ، كقولهم في السؤال عن علّة الشي : كيمه بمعنى لمه ، وما وإن المصدريّتان ومع صلتهما كقوله [من الطويل] :
٣٢٧ ـ إذا أنت لم تنتفع فضرّ فإنّما |
|
يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع (٥) |
ونحو : جئتك كي تكرمني ، إذا قدّرت إن بعدها ، وأمّا الكوفيّون فعندهم أنّها ناصبة دائما ، واختاره المصنّف كما سيأتي بيانه في حديقة الأفعال.
سبب تسمية حروف الجرّ : وسمّيت هذه الحروف حروف الجرّ ، قال ابن الحاجب : لأنّها تجرّ معنى الفعل إلى الاسم. وقال الرضيّ : بل لأنّها تعمل إعراب الجرّ كما قيل : حروف النصب وحروف الجزم ، ويسمّيها الكوفيّون حروف الإضافة ، لأنّها تضيف
__________________
(١) تمامه «بشيء أنّ أمّكم شريم» ، هو لرجل من عقيل ولم ينسب لقائل معيّن. اللغة : الشريم : المراة المفضاة.
(٢) قبيلة من مضر من عرب الشمال أو العدنانيون.
(٣) شاعر مخضرم (ت نحو ٦٤٨) اشترك في فتح إفريقية ، أشهر شعره قصيدته العينيّة الّتي رثي بها أبناؤة. الجامع في تاريخ الأدب العربي. ١ / ٤١٢.
(٤) اللغة : ترفعت : تصاعدت ، وتباعدت ، لجج : جمع لجة بمعنى معظم الماء ، نئيج : هو الصوت العإلى المرتفع.
(٥) نسب هذا البيت إلى النابغة الجعدي وإلى النابغة الذبياني وإلى عبد الأعلى بن عبد الله.