الفعل إلى الاسم ، أي توصله إليه ، وتربطه به ، وحروف الصفات ، لأنّها تحدث صفة في الاسم ، ففي قولك : جلست في الدار ، دلّت في على أنّ الدار وعاء للجلوس ، وقيل : لأنّها تقع صفات لما قبلها من النكرات ، كذا في همع الهوامع.
الحروف الّتي تجرّ الظاهر والمضمر : وهذه الأربعة عشر المشهورة من حروف الجر ، «سبعة منها تجرّ الظاهر والمضمر وهي» : «من» وقد يقال : منا على زنة إلى ، وزعم الكسائيّ والفرّاء أنّها الأصل ، وخفّفت لكثرة الاستعمال ، وقال ابن مالك : هي لغة لبعض العرب ، وقال أبو حيّان : ضرورة ، وقدّمها ، لأنّها أمّ حروف الجرّ كما قاله الحريرى وغيره ، وقال ابن الدهان في الغرة (١) : من أقوي حروف الجرّ ، ولهذا المعنى اختصّت بالدخول على عند انتهى ، ولها ستّة عشر معنى :
أحدها : ابتداء الغاية ، وليس المراد بالغاية هنا نهاية المسافة ، وكذا في قولهم إلى لانتهاء الغاية ، إذ لا معنى لابتداء النهاية وانتهاء النهاية ، وإنّما المراد بالغاية جميع المسافة ، قاله الرضيّ : ويلزم عليه أن يكون استعمال من في الزمان مجازا إلا أن يراد بالمسافة المسافة الحقيقة والتتريلية ، وقال آخر : كثيرا ما يطلقون الغاية ، ويريدون بها الغرض ، والمقصود والمراد هاهنا الفعل ، لأنّه غرض الفاعل ومقصوده ، انتهى.
ويلزم عليه أن تخصّ من الابتدائية بالأفعال الاختياريّة الّتي لها غرض ، ولا يصحّ أن يقال : غلي القدر من أول النهار إلى آخره ، فالأحسن أنّ المراد بالغاية النهاية ، أي لابتداء له نهاية ، ولا يستعمل في ابتداء لا نهاية له ، كالأمور الأبديّة ، قاله عصام الدين ، ثمّ الابتداء يكون في المكان باتفاق نحو (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء / ١] ، وفي الزمان خلافا لأكثر البصريّين ، نحو : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) [التوبة / ١٠٨] ، وفي الحديث : مطرنا من الجمعة إلى الجمعة (٢) ، والشواهد عليه كثيرة ، وتأويلها تعسّف وفي غيرهما ، نحو : من محمد رسول الله (ص) ، و (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) [النمل / ٣٠] ، وعلامتها صحّة إيراد إلى أو ما يفيد فائدتها قبالتها ، نحو : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، لأنّ معنى أعوذ به ألتجئ إليه.
الثاني : التبعيض ، وعلامتها جواز الاستغناء عنها ببعض ، نحو : أخذت من الدارهم ، أي بعض الدارهم ، والمفعول الصريح في هذا المثال محذوف ، أي أخذت من الدراهم
__________________
(١) لعلّه الغرّة المخفية في شرح الدرّة الألفية. كشف الظنون ٢ / ١١٩٨.
(٢) صحيح البخاري ، ١ / ٤٥٦ ، رقم ٩٥٣.