شيئا ، فإن اعتبرت المفعول مقدّما ، جاز في المجرور وجهان : أن يكون متعلّقا بالفعل ، وأن يكون متعلّقا بمحذوف صفة للمفعول ، وإن اعتبرته مؤخّرا تعيّن تعلّق الجارّ بالفعل.
الثالث : بيان الجنس ، أي إظهار المقصود منه ، نحو : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج / ٣٠] ، وعلامتها أن يحسن جعل الّذي في مكانها ، لا يقال : لا يصحّ ذلك في نحو : قد كان من مطر أي شيء مع أنّ من بيانّية ، لأنّه يلزم وصف النكرة بالمعرفة ، ويلزم جعل المفرد ، أي مطر صلة ، لأنّا نقول : المراد جعل الّذي في مكانها مع إيراد مقتضيات الموصول.
الرابع : البدل ، نحو : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة / ٣٨] (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) [الزخرف / ٦٠] ، ونحو : ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ ، وأنكره قوم ، فقالوا : التقدير : أرضيتم بالحياة الدنيا بدلا من الأخرة ، فالمفيد المبدليّة متعلّقها المحذوف ، ومن للابتداء ، وكذا الباقي.
الخامس : التنصيص على العموم ، أو توكيد التنصيص عليه ، وهي الزائدة ، فالأوّل نحو : ما جاءني من رجل ، والثاني نحو : ما جاءني من أحد ، ولها ثلاثة شروط : أن يسبقها نفي أو نهي أو استفهام. وأن يكون مجرورها نكرة ، وأن يكون إمّا فاعلا نحو : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) [الأنبياء / ٢] ، أو مفعولا نحو : (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) [مريم / ٩٨] ، أو مبتدأ ، نحو : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر / ٣] ، قاله ابن هشام في الأوضح ، وأجاز بعضهم زيادتها بشرط تنكير مجرورها فقط ، نحو : قد كان من مطر ، وأجازها الأخفش والكسائيّ وهشام بلا شرط ، ووافقهم ابن مالك في التسهيل.
السادس : التعليل ، نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح / ٢٥].
السابع : الظرفية نحو : (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [فاطر / ٤٠].
الثامن : الفصل بالمهلة ، وهي الداخلة على ثاني المتضادين ، نحو : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة / ٢٢٠] ، (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران / ١٧٩] ، قاله ابن مالك ، قال ابن هشام : وفيه نظر ، لأنّ الفصل مستفاد من العامل ، فإنّ ماز وميّز بمعنى فصل ، والعلم صفة توجب التمييز ، والظاهر أنّ من في الآيتين للابتداء ، أو بمعنى عن.
التاسع : انتهاء الغاية ، وهو قول الكوفيّين ، واختاره ابن مالك ، واستدلّ له بصحة قولك : تقرّبت منه ، وهو بمعنى تقرّبت إليه.
العاشر : مرادفة عن ، نحو : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر / ٢٢] ، و (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) [الأنبياء / ٩٧].