وقال أبو بكر الباقلانيّ (١) وعبد الجبّار (٢) : المستثنى والمستثنى منه وأداة الاستثناء بمترلة اسم واحد لما بقي ، فقولك : له عشرة إلا واحدا بمعنى له على تسعة لا فرق بينهما من وجه ، ولا دخول هناك ولا إخراج ، وردّ عليهما بأنّه ليس في لغتهم اسم مركّب من أكثر من لفظين ، وقيل : وليس بشيء ، لأنّه يسمّى بالجملة وإن طالت ، نعم يرد عليهما أنّه لا يفصل بين أجزاء الكلمة بكلمة أخرى ولا إباء عن قولنا : جاءني القوم يوم الجمعة أمام الأمير في ساحة البلد إلا زيدا ، انتهى.
وقال آخرون : واستحسنه الرضيّ ، أنّ المستثنى داخل في المستثنى منه ، والتناقض غير لازم ، لأنّه أنّما يلزم لو كانت النسبة إلى مجرّد المستثنى ، وليس كذلك ، بل النسبة إلى المستثنى منه والمستثنى معا ، وإنّما أجرى الإعراب على المستثنى منه ، وإن كان المنسوب إليه الجميع ، لأنّ العادة إجراء الإعراب على أوّل أجزاء المنسوب إليه غير المفرد ، والإعراب على الجزء الأخير بكونه مضافا إليه أو تابعا من التوابع أو شبه المفعول كالمستثنى ، فالمستثنى مخرج قبل الإسناد إلى المستثنى منه. قال الرضيّ : وهذا الجواب هو الصحيح المندفع عنه الإشكالات كلّها ، انتهى.
قال بعض المتأخّرين : وفيه أنّ المستثنى لم يخرج عن كونه مدلول المستثنى منه ، لأنّه غير ممكن ، ولا عن النسبة ، لأنّه لا نسبة ، فكيف يتصوّر إخراج ، ونحن نقول : نسب المسند إلى المستثنى منه فأخرج من النسبة المستثنى ، ثمّ حكم أو طلب ، فلا تناقض ، فتأمّل ، انتهى.
وقد سبقه إلى هذا صاحب غاية التحقيق (٣) حيث قال : إنّه داخل من حيث الإفراد واللفظ ، فاخرج عنه في التركيب والحكم ، انتهى. والتأمّل منتف هنا.
سبب تسمية المستثنى المتّصل والمنقطع : الثالث : إنّما سمّي المتّصل متّصلا لأنّه داخل في دلالة منطوق المستثنى منه ، والمنقطع منقطعا لدخوله في دلالة مفهومه ، ودلالة المنطوق أقوي ، فسمّي المخرج منها متّصلا بخلاف دلالة المفهوم ، فإنّها ضعيفة.
الرابع : لا يشترط في المنقطع أن يكون من غير جنس المستثنى منه ، بل أن لا يكون داخلا في المتعدّد الأوّل قبل الاستثناء ، سواء كان من جنس المتعدّد كقولك : جاءني القوم
__________________
(١) الباقلاني (أبو بكر محمّد) «ت ٤٠٣ ه / ١٠١٣ م) من كباء علماء الكلام. ولد في البصرة وسكن بغداد من كتبه «إعجاز القرآن» «والانصاف» «دقائق الكلام» المنجد في الأعلام ص ١٠٧.
(٢) هناك أربعة أشخاص باسم عبد الجبار ، وكلّهم من النحاة وماتوا في نحو سنة خمسائة. بغية الوعاة. ٢ / ٧٢.
(٣) غاية التحقيق في تقسيم العلم إلى التصور والتصديق لطا شكبري زاده أحمد (١٤٩٥ ـ ١٥٦١ م) ، مؤرخ عثماني. كشف الظنون ٢ / ١١٩١.