فرغ له العامل عن المستثنى منه ، على أنّ لك أن تفسّر المفرّغ بالمفرّغ عن إعرابه لإعراب المستثنى منه ، ولك أن تجعله اسم مكان لوقوع التفريغ فيه.
تنبيهان : الأوّل : التفريغ لا يكون في المصدر المؤكّد لعدم الفائده ونحو : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) [الجاثية / ٣٢] ، محمول على أنّه مصدر نوعيّ ، أي إلا ظنّا ضعيفا ، ويكون فيما عدا ذلك من جميع المعمولات كالخبر ، نحو : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) [النجم / ٢٣] ، والفاعل ، نحو : (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) [إبراهيم / ٩] ، والنائب عن الفاعل ، نحو : (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام / ٤٧] والمفعول به ، نحو : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة / ٢٨٦] ، والمفعول فيه ، نحو : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات / ٤٦] ، والمفعول له ، نحو : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) [البقرة / ٢٧٢] ، ولا يكون في المفعول معه ، فلا يقال : لا تسر إلا والنيل.
قال الرضيّ : ولعلّ ذلك أنّ ما بعد إلا كأنّه منفصل من حيث المعنى عمّا قبله لمخالفته له نفيا وإثباتا ، والواو أيضا مؤذنة بنوع من الانفصال ، فاستهجن عمل الفعل مع حرفين مؤذنين بالانفصال ، وأمّا وقوع واو الحال بعدها نحو : ما جاءني زيد إلا وغلامه راكب فلعدم ظهور عمل الفعل لفظا في ما بعد الواو ، انتهى.
ويكون في الملحقات بالمفعول كالحال ، نحو : ما جاءني زيد إلا راكبا ، (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) [التوبة / ٥٤] ، والتمييز ، نحو : ما امتلأ الإناء إلا ماء.
وقوع التفريغ في التوابع : وأمّا التوابع فإنّما يقع التفريغ منها في البدل ، نحو : ما سلب زيد إلا ثوبه ، وأمّا عطف النسق فلا يكون فيه لما تقدّم ، وعطف البيان والتأكيد ينافيهما التفريغ ضرورة أنّه لا يكون إلا في متعدّد مماثل ، والتعدّد ينافي عطف البيان ، لأنّه إمّا علم أو مختصّ مثله ، فلا يمكن أن يقدّر عطف بيان متعدّد شامل للمذكور وغيره ، وكذا التأكيد ، لأنّه ليس لنا ألفاظ تاكيديّة عامّة تشتمل المستثنى وغيره حتى تقدّرها ، وتخرج منها التأكيد المستثنى ، وأمّا الوصف فجّوز الرضيّ وصاحب اللباب وقوع التفريغ فيه ، نحو : ما جاءني أحد إلا ظريف ، وما لقيت أحدا إلا أنت خير منه.
وفي المغني لابن هشام إنّ التفريغ لا يجوز في الصفات ، ولم يحك جوازه إلا عن الزمخشريّ وأبي البقاء ، قال : وكلام النّحويّين بخلاف ذلك ، وظنّ التفتازانيّ أنّ المسألة إجماعية ، فقال في شرح المفتاح : لا خلاف في جواز الاستثناء المفرّغ في الصفة.
الثاني : كلّ استثناء مفرّغ لا يكون إلا متّصلا ، لأنّه يعرب على حسب العوامل ، فيكون من تمام الكلام ، وإليه النسبة ، ولذلك لم يجز نصبه على الاستثناء.