لكن ، وأبو قتادة مبتدأ ، ولم يحرم خبره ، ومن محذوف الخبر قوله عليه السّلام : «كلّ أمتى معافي إلا المجاهرون بالمعاصي (١)» وقراءة بعضهم فشربوا منه إلا قليل ، أي إلا قليل منهم لم يشرب ، وجزم بذلك في مختصر العمدة (٢).
وقال أبو حيّان في النهر (٣) : إذا تقدّم موجب جاز فيما بعد إلا وجهان : النصب على الاستثناء ، وهو الأفصح ، وأن يكون ما بعد إلا تابعا لإعراب المستثنى منه إن رفعا فرفع ، أو نصبا فنصب ، أو جرّا فجرّ ، سواء كان ما قبل إلا ظاهرا أو مضمرا. قال : واختلفوا في إعرابه. وقيل : هو نعت ، وإنّه ينعت بما بعد إلا الظاهر والمضمر ، يعني أنّ المضمر ينعت في هذا الباب. وقيل : لا ينعت بما بعدها إلا النكرة أو المعرّف بلام الجنس ، فإن كان معرّفا بلام العهد أو الإضافة لزم النصب على الاستثناء. وزعم أنّ من الاتباع قوله [من الوافر] :
٣٨٠ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان (٤) |
حكم المستثنى إذا تقدّم على المستثنى منه : الثاني : إذا تقدّم المستثنى على المستثنى منه تحتمّ نصبه أيضا ، سواء كان متّصلا أو منقطعا ، وسواء كان في سياق الإيجاب ، كقام إلا زيدا القوم أو في غيره ، كقول الكميت (ره) [من الطويل] :
٣٨١ ـ وما لي إلا آل أحمد شيعة |
|
وما لي إلا مشعب الحقّ مشعب (٥) |
ولا يصحّ الإبدال ، لأنّ التابع لا يتقدّم على المتبوع ، هذا مذهب البصريّين ، وأجاز الكوفيّون والبغداديّون غير النصب في المسبوق بالنفي ، نحو : ما قام إلا زيد أحد.
قال سيبويه : سمع يونس بعض العرب الموثوق بعربيّتهم يقول : ما لي إلا أبوك ناصر ، وقال حسان [من الطويل] :
٣٨٢ ـ ... |
|
إذا لم يكن إلا النبيّون شافع (٦) |
قال ابن هشام : ووجهه أنّ العامل فرع لما بعد إلا ، وأنّ المؤخّر عامّ أريد به خاصّ ، فصحّ إبداله من المستثنى ، لكنّه بدل كلّ ، ونظيره في أنّ المتبوع آخر ، وصار تابعا ما
__________________
(١) نهج الفصاحة ص ٤٥٨ ، حديث ٢١٦٧. صحيح البخاري ٤ / ٣٤٣ ، رقم ٩٥١. وفي كلا المصدرين «المجاهدين بالمعاصي».
(٢) العمدة في النحو مختصر لابن مالك. كشف الظنون ٢ / ١١٧٠.
(٣) النهر الممّاد من البحر في التفسير لأبي حيان. المصدر السابق ص ١٩٩٣.
(٤) تقدم برقم ٣٠٤.
(٥) اللغة : المشعب : الطريق ومشعب الحق : طريقة المفّرق بينه وبين الباطل. ويروى في مكانه. مذهب الحق.
(٦) صدر البيت «فإنهم يرجون منه شفاعة».