حديد إلى الأرض. فقال رسول الله : إيه إيه (١)(جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء / ٨١] ، فجعلت أزاوله ، أو قال : أعالجه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه ، حتى استمكنت منه ، قال لي رسول الله (ص) : اقذف به ، فقذفت به ، فتكسّر كما تنكسر القوارير (٢) ، فما صعدت حتّى الساعة ، ويروى أنّه كان من قوارير ، رواه الطبرى ، (٣) وقال أخرجه أحمد (٤) ، ورواه الزوندىّ (٥). ثمّ إنّ عليا (ع) أراد أن يترل ، فألقى نفسه من صوب الميزاب (٦) تأدّبا وشفقة على النبيّ (ص) ، ولّما وقع على الأرض تبسّم ، فسأله النبيّ (ص) : عن تبسّمه؟ فقال : إنّي ألقيت نفسي من هذا المكان الرفيع ، وما أصابني ألم. قال قال : فكيف يصيبك ألم؟ لقد رفعك محمّد ، وأنزلك جبرئيل (٧) ، انتهى.
قلت : وفي كتاب المناقب للمؤبّد الخوارزميّ (٨) ما يشعر بأنّ هذه الحكاية كانت قبل الهجرة ، وصرّح في المواهب الدنيّة (٩) بأنّ ذلك كان يوم الفتح ، وهو ظاهر ، والله أعلم.
معنى النواصب وحكاية لطيفة في ذلك : «جازم» أى قاطع ، من الجزم ، وهو لغة القطع ، «أعناق النواصب اللئام» ، الأعناق جمع عنق ، وهو الجيد ، والنواصب والناصبيّة وأهل النّصب ، بفتح النون وسكون الصاد المهملة ، المتديّنون ببغض علي (ع) ، لأنّهم نصبوا له ، أى عادوه ، يقال نصبت لفلان إذا عاديته.
وعلى ذكر النصب فما ألطف ما حكاه القاضي أحمد بن خلكان (١٠) الشافعيّ في تاريخه «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» ، قال : ذكر أبو الفتح ابن جنيّ في بعض
__________________
(١) إيه : كلمة استزادة واستنطاق ، وهي مبنية على الكسر ، وقد تنوّن ، تقول للرجل إذ استتردته من حديث أو عمل : إيه. لسان العرب ، ١ / ٢١٠.
(٢) القوارير : جمع القارورة ، وهي وعاء من الزجاج تحفظ فيه السوائل.
(٣) الطبرى أبو جعفر محمد بن جرير (ت ٣١٠ ه ٩٢٣ م) مؤرّخ ومفسّر وفقيه شافعىّ ولد في آمل بطبرستان ، من كتبه جامع البيان في تفسير القرآن. الأعلام للزركلي / ٣٢١.
(٤) أحمد بن محمد بن حنبل ، إمام المذهب الحنبليّ ، صنف «المسند» ستّة مجلّدات ، يحتوي علي ثلاثين ألف حديثا ، وله كتب أخرى ، مات سنة ٢٤١ ه. المصدر السابق ، ١ / ١٩٢.
(٥) لم أجد ترجمه حياته.
(٦) الميزاب : المئزاب ، وهو قناة أو انبوبة يصرف بها الماء من سطح بناء أو موضع عال.
(٧) ما وجدت الحديث.
(٨) أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي المتوفي سنة ٦٦٥. كشف الظنون ٢ / ١٦٨٠.
(٩) المواهب الدنية بالمنح المحمديّة في السيرة النبوية للشيخ شهاب الدين القسطلاني المصريّ المتوفّى سنة ٩٢٣ ه. المصدر السابق ٢ / ١٨٩٦.
(١٠) ابن خلكان مؤرخ ولد في أربيل ، له وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان وهو معجم تاريخيّ شهير ، مات سنة ١٢٨٢ م. المنجد في الأعلام ص ٧.