ولسيبويه في مثل هذا وجهان : أحدهما جعل المنقطع كالمتّصل لصحّة دخول المبدل في المبدل منه ، قلت : يعني على سبيل المجاز ، وذلك إمّا على جعل الحمار مثلا في نحو : ما في الدار إلا حمار إنسان الدار ، أي الّذي يقوم مقامه في الأنس كقوله [من الوافر] :
٣٨٥ ـ ... |
|
تحيّة بينهم ضرب وجيع (١) |
جعلوا الضرب تحيتهم ، لأنّه الّذي يقوم مقام التحيّة عندهم ، أو على تخييل العموم فيه بحيث يكون شاملا.
فإذا قلت : ما جاء القوم إلا حمارا ، فقد نفيت مجئ القوم وما يتبعهم ، ثمّ استثنيت الحمار ممّا دخل في حكم التبع.
والثاني : إنّهم حملوا ذلك على المعنى ، لأنّ المقصود هو المستثنى ، فالقائل ما في الدار أحد إلا حمار ، المعنى : ما في الدار إلا حمار ، وصار ذكره أحدا توكيدا ليعلم أنّه ليس ثمّ آدميّ ، ثم أبدل من أحد ما كان مقصوده من ذكر الحمار.
وذكر المازنيّ وابن بابشاذ في شرح الجمل وجها ثالثا ، وهو أن يكون من تغليب العاقل على غيره ، فاقتصر على ذكر العاقل لحكم التغليب ، ثمّ أبدل من جملة ما تضمّنه التغليب. قال الرضيّ : وهذا لا يطّرد في جميع الباب ، نحو : قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) وقولهم ليس لهم سلطان إلا التكلّف ونحوه.
تنبيه : ما نقلته عن تميم من اختيار النصب هو ما أفهمه كلامه ، ونقله غير واحد.
لكن ذكر ابن عقيل والمراديّ والدمامينيّ في شروح التسهيل أنّ ابن مالك ذكر أنّ لغة بني تميم في المنقطع في الاتباع كلغة الجميع في المتّصل ، فيقولون : ما فيها أحد إلا حمار ، ويقرؤون (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) بالرفع ، إلا من لقن النصب.
قال الدمامينيّ في شرح التسهيل : وغير المصنّف يقول : إنّهم يجيزون الاتباع ، ويختارون ما يوجبه غيرهم من النصب ، انتهى. فافهم أنّ هذا النقل لم يذكره غير ابن مالك.
حكم المستثنى بخلا وعدا وحاشا : هذه «تتمّة» لما ذكره من مسائل هذا الباب ، «والمستثنى بخلا وعدا وحاشا ينصب» تارة «مع فعليتها» ، أي إنّها أفعال متعديّة إليها ، وفاعلها ضمير مستتر وجوبا ، وفي مرجعه الخلاف الآتي بيانه في حديقة المفردات إن شاء الله تعالى ، نحو : قام الناس خلا أو عدا أو حاشا زيدا ، واختلف في جملة الاستثناء ، فقال
__________________
(١) صدره
«وخيل قد دلفت لها بخيل» ،
وهو لعمرو بن معديكرب. اللغة : دلفت : مشيت رويدا ، الوجيع :
الموجع.