الثاني : قال ابن الحاجب : حاشا المستعملة في الاستثناء معناها تتريه الاسم الّذي بعدها من سوء ذكر في غيره أو فيه ، فلا يستثني بها إلا في هذا المعنى ، ولذلك لا يقال : صلّي الناس حاشا زيد لفوات معنى التتريه ، انتهى.
قال الرضيّ : وربّما أرادوا تتريه شخص من سوء ، فيبتدؤون بتتريه الله سبحانه عن السوء ، ثمّ يبرّؤون من أرادوا تتريهه على معنى أنّ الله تعالى مترّة عن أن لا يظهر ذلك الشخص ممّا يصمه ، فيكون أكّد وأبلغ ، انتهى.
الثالث : في حاشا الاستثنائية لغتان : بإثبات الألفين ، وحشا بحذف الألف الأولى كقوله [من الوافر] :
٣٨٩ ـ حشى رهط النّبيّ فإنّ منهم |
|
بحورا لا تكدّرها الدّلاء (١) |
قاله المراديّ ، وسيأتي عليه مزيد الكلام في حديقة المفردات ، ان شاء الله تعالى.
حكم المستثنى بليس ولا يكون : «و» المستثنى «بليس ولا يكون منصوب بالخبريّة» ، أي على أنّه خبرهما ، نحو : قام الناس ليس أو لا يكون زيدا ، «واسمهما» ضمير «مستتر وجوبا» بالإجماع لجريانهما مجرى إلا ، وهي إنّما يظهر بعدها اسم واحد ، ومن ثمّ وجب انفصال الضمير المستثنى بهما كما وجب في المستثنى بهما ، تقول : قام القوم ليس إيّاك أو لا يكون إيّاك كما تقول : إلا إيّاك ، وأمّا قوله [من الرجز] :
٣٩٠ ـ ... |
|
إذ ذهب القوم الكرام ليسي (٢) |
فضرورة ، كقوله [من البسيط] :
٣٩١ ـ ... |
|
أن لا يجاورنا إيّاك ديّار (٣) |
وفي مرجع الضمير الخلاف الأتي في فاعل حاشا ، وسيأتي بيانه في حديقة المفردات إن شاء الله ، وجملة الاستثناء حال أو مستأنفة كما مرّ. قال في التصريح : فإن قلت : كيف يحكم على جملة ليس بأنّها حال ، والفعل الماضي لا يقع حالا إلا مع قد ظاهرة أو مقدّرة ، قلت : هذا مستثني كما قاله أبو حيّان في النكت الحسان بحثا ، انتهى.
ووجه الاستثناء أنّ قد لا تدخل إلا على فعل متصرّف ، وهذا الاستثناء جار في جمل الأفعال الثلاثة المذكورة آنفا إذا أعربت حالا ، ثمّ هذا الاستثناء إنّما يحتاج إليه على
__________________
(١) لم يسمّ قائله. اللغة : الرهط : الجماعة من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة ، أو ما دون العشرة ، الدلاء جمع الدلو : إناء يستقي به من البئر (مؤنث وقد تذكّر).
(٢) صدره «عدت قومي كعديد الطيس» ، هذا البيت نسبت لروبة بن العجاج. اللغة : الطيس : الرمل الكثير.
(٣) صدره «وما علينا إذا ما كنت جارتنا» ، لم يسمّ قائله. اللغة : الدّيار : أحد ، ولا يستعمل إلا في النفي العام.