رأي جمهور البصريّين دون ما عليه الكوفيّون والأخفش من جواز مجئ الحال المذكورة بدون قد راسا كما سيأتي.
سبب قراءة سيبويه النحو : فائدة : هذه المسألة كانت سبب قراءة سيبويه النحو ، وذلك أنّه جاء إلى حماد بن سلمة (١) لكتابة الحديث ، فاستملي منه قوله (ص) : ما من أحد من أصحابي إلا ولو شيءت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء (٢) ، فقال سيبويه ، ليس أبو الدرداء ، فصاح به حماد : لحنت يا سيبويه ، إنّما هذا استثناء. فقال : والله لأطلبنّ علما لا يلحنني معه أحد فلزم الأخفش وغيره.
والمراد بالأخفش الاكبر ، وهو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد ، وإذا أطلق النقل في كتب النحو فالمراد به الأوسط وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة أكبر تلامذة سيبويه ، وأمّا الأصغر فهو أبو الحسن على بن سليمان من تلامذة المبرّد وثعلب ، والأخافشة أحد عشر نحويّا عدّهم في المزهر (٣).
المستثنى بما خلا وبما عدا : «و» المستثنى «بما خلا وبما عدا منصوب» وجوبا على المفعوليّة ، لأنّ ما المصدريّة تعينهما للفعلية. إذ لا تدخل على الحرف ، وهما متعدّيان فتعيّن النصب ، كقول لبيد [من الطويل] :
٣٩٢ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل |
|
وكلّ نعيم لا محالة زائل |
وقوله [من الطويل] :
٣٩٣ ـ تملّ الندّامي ما عداني فإنّني |
|
بكلّ الّذي يهوي نديمي مولع (٤) |
ولهذا دخلتها نون الوقاية ، قال في التصريح : والقول بأنّ ما هنا مصدريّة مع جمود خلا وعدا مشكل ، لأنّها لا تدخل على فعل جامد ، نصّ عليه في التسهيل ، وموضعها مع ما نصب بلا خلاف ، فقيل : على الحالية ، قال ابن مالك فوقعت الحال معرفة لتأوّلها بنكرة ، قال ابن هشام : والتأويل خالين عن زيد ومتجاوزين زيدا.
__________________
(١) حماد بن سلمة أحد رجال الحديث ، ومن النحاة ، كان حافظا ثقة مأمونا ، إلا أنّه لمّا كبر ساء حفظه ، مات سنة ١٦٧ ه. الأعلام للزركلي ، ٢ / ٣٠٢.
(٢) أبو الدرداء عويمر بن مالك بن قيس صحابيّ ، كان من العلماء الحكماء ، وهو أحد الّذين جمعوا القرآن ، روى عنه أهل الحديث ١٧٩ حديثا ، مات سنة ٣٢ ه. المصدر السابق ، ٥ / ٢٨١. وما وجدت هذا الحديث.
(٣) المزهر في اللغة للسيوطي المتوفى سنة ٩١١ ه. كشف الظنون ٢ / ١٦١٠.
(٤) لم يسمّ قائله. اللغة : الندامي : جمع ندمان ، وأصله الّذي يجالسك على الشراب ، ثمّ قد يعمّ كل صاحب ، والنديم بمعناه ، مولع : مغرم.