إشارة عارية من كاف الخطاب نحو : يا أيهذا الرجل ، ولا يقال : يا أيّهذاك الرجل ، كما لا يجوز ندائه ، وأجازه ابن كيسان ، ونقل عن سيبويه. وكأيّ اسم الإشارة في الوصف بذي اللام والموصول ، وأمّا اسم الأشارة فلا يوصف به ، لأنّ الشيء لا يوصف بمثله ، وسيأتي على أيّ هذه مزيد كلام في حديقة المفردات.
حذف حرف النداء : «وقد يحذف حرف النداء» وهو يا خاصّة ، لأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل ، ووقع في عبارة بعض المتقدّمين ما يوهم جواز حذفه مطلقا. قال ابن بابشاذ في شرح الجمل ، بعد أن عدّد حروف النداء : وهذه الحروف يجوز إثباتها مع المنادى ، وحذفها إلا فيما استثني ، انتهى.
ولكن نصّ غير واحد من الأئمة على أنّه لا يحذف منها إلا ياء دون غيرها ، لأنّها أعمّ وأغلب في الاستعمال ، والحذف نوع من التصرّف ، فينبغي أن يكون فيما كثر دوره ، لا فيما قلّ.
فتحذف ياء مع القرينة ويبقي المنادى ، نحو : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) [يوسف / ٢٩] ، (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن / ٣١] ، (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) [الدخان / ١٨] ، «إلا مع اسم الجنس» ، والمراد به هنا ما يكون نكرة قبل النداء ، سواء تعرّف بالنداء كيا رجل ، أو لم يتعرّف ، كيا رجلا ، وسواء كان مفردا أو مضافا أو مضارعا له ، نحو : يا غلام فاضل ، ويا حسن الوجه ويا ضاربا زيدا ، قصدت بهذه الثلاثة واحدا بعينه أولا.
وإنّما لا يحذف مع النكرة ، لأنّ حرف التنبيه إنّما يستغني عنه ، إذا كان المنادى مقبلا عليك متنبّها لما تقول له ، ولا يكون هذا إلا في المعرفة ، لأنّها مقصودة قصدها ، وإنّما لا يحذف مع المعرفة المتعرّفة بحرف النداء ، إذ هي إذن حرف تعريف ، وحرف التعريف لا تحذف ممّا تعرف بها حتى لا يظنّ بقاؤه على أصل التنكير ، ألا ترى أنّ لام التعريف لا تحذف من المتعرّف بها ، وحرف النداء أولى منها بعدم الحذف ، إذ هي مفيدة مع التعريف التنبيه والخطاب ، قاله الرضيّ. وأجاز بعضهم الحذف مع النكرة ، والكوفيّون مع المعرفة محتجّين بقولهم : أطرق كرى (١) ، وافتد مخنوق ، وأصبح ليل ، وهو عند البصريّين شاذّ.
قال المراديّ : والانصاف القياس عليه لكثرته نظما ونثرا. «و» إلا مع «المندوب» وهو المتفجّع عليه حقيقة ، كقول جرير يندب عمر بن عبد العزير [من البسيط] :
__________________
(١) الكرى : النعاس ، والنوم.