كما تقدّم ، فلمّا حذفت الوصلة في هذه اللفظة الشريفة لكثرة ندائها ، لم يحذف الحرف «في الأغلب» لئلا يكون إجحافا.
وقوع أللهمّ في النداء : وقد يحذف في غير الأغلب كقول أمية بن الصلت [من الطويل] :
٤٢٤ ـ رضيت بك اللهمّ ربّا فلن أري |
|
أدين إلها غيرك الله راضيا |
أي يا الله.
وأفهم كلامه جواز الحذف في غير الأغلب ، وهو مذهب لبعض النّحويّين ، والجمهور على المنع مطلقا ، وحملوا البيت على الشذوذ ، «فإن وجدت» الميم المشدّدة في آخره «لزم الحذف» أي حذف حرف النداء ، لأنّ الميم عوض عنه ، فلا يجمع بينهما إلا في الضرورة كقوله [من الرجز] :
٤٢٥ ـ إنّي إذا ما حدث ألّما |
|
أقول يا أللهمّ يا أللهمّا (١) |
وإنّما أخرّت الميم تبرّكا باسمه تعالى ، وخصّت بذلك دون غيرها ، لأنّ الميم عهد زيادتها آخرا كميم زرقم. هذا مذهب البصريّين ، وذهب الكوفيّون إلى أنّ الميم ليست عوضا ، بل ماخوذة من فعل ، والأصل يا الله آمنّا بخير ، فيجيزون الجمع بينهما وبين ياء في السعة.
قال أبو على : وليس هذا بشيء لقوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) [الأنفال / ٣٢] ، لأنّه لو كانت الميم ماخوذة من فعل لما احتاجت إن إلى جواب ثان ، ولكان سادّة مسدّ جواب الشرط ، وقوله تعالى : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال / ٣٢] ، دليل على أنّها ليست مأخوذة من فعل ، ولا دلالة عليه ، لأنّه لا يحسن في كلام يا الله آمنّا منك بعدل ، إن كان هذا هو الحقّ من عندك ، فأمطر علينا ، يصحّ بلا ذكر الجواب ، ولأنّه لو كان كما ذكر لما حسن أللهمّ آمنّا بخير ، وفي حسنه دليل على أنّ الميم ليست مأخوذة منه ، إذ لو كان كذلك لكان تكريرا ، قاله ابن بابشاذ في شرح الجمل : وقد تزاد في آخره ما كقوله [من الرجز] :
٤٢٦ ـ وما عليك أن تقولي كلّما |
|
سبّحت أو صلّيت يا أللهمّ ما |
أردد علينا شيخنا مسلمّا (٢) |
__________________
(١) هذا البيت لأمية بن أبي الصلت ، وزعم العيني أنّه لأبي خراش الهدلي. اللغة : الحدث : هو ما يحدث من مصائب الدنيا ونوازل الدهر ، الّم : نزل.
(٢) لم يذكر قائله. اللغة : الشيخ هنا : الأب أو الزوج ، مسلما : اسم مفعول من السلامة.