وبني للشبه بالحرف في الوضع ، لأنّ أكثر المضمرات على حرف أو حرفين كباء الجرّ ولامه ، وواو العطف وفاءه وقد وبل وهل وأم ، وما كان وضعه منها على أكثر من ذلك فمحمول عليه طردا للباب.
وقيل : لشبهه في المعنى لأنّ كلّ مضمر مضمر معنى التّكلّم أو الخطاب أو الغيبة ، وهي من معاني الحروف ، وقيل : في الافتقار إلى شيء ، إذ لا بدّ له من مفسّر ، أعني الحضور في المتكلّم والمخاطب ، وتقدّم الذكر في الغائب ، وقيل : في الجمود ، أي عدم التصرّف في لفظه بوجه ما حتى بالتصغير ، وبأن يوصف به كاسم الاشارة وقيل : لعدم موجب الإعراب فيه للاستغناء عن إعرابه باختلاف صيغته الدالّة على المعاني.
«وهو» أي المضمر «ما» أي اسم «وضع لمتكلّم» بعينه «أو مخاطب» بعينه ، كما مرّ تحقيقه في حدّ المعرفة ، فلا ينتقض بلفظ المتكلّم أو المخاطب «أو غائب» بعينه ، فخرج به الأسماء الظاهرة النكرات.
وبقيت الأسماء الظاهرة المعرفة ، إذ الاسماء الظاهرة كلّها غائب فأخرجها بقوله : «سبق» أي تقدّم «ذكره» ، فإنّها وإن كانت موضوعة لغائب بعينه ، لكن ليس سبق ذكر الغائب شرطا فيها ، وقد علم ممّا مرّ في حدّ المعرفة أنّ المضمرات موضوعة لجزئيات معيّنة لهذه المفهومات على ما هو الحقّ ، فيكون المراد بقوله لمتكلّم أو مخاطب أو غائب كلّ متكلّم أو مخاطب أو غائب (١) ، والنكرة قد تكون في الإثبات للعموم كما تقدّم.
والمراد بقوله : «سبق ذكره» أعمّ من أن يكون مذكورا لفظا ، سواء كان سابقا لفظا ورتبة ، نحو : ضرب زيد غلامه ، أو سابقا رتبة متأخّرا لفظا ، نحو : ضرب غلامه زيد ، أو سابقا لفظا متأخّرا رتبة ، نحو : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) [البقرة / ١٢٤] ، أو مذكورا معنى يدلّ عليه لفظ الفعل ، نحو : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة / ٨] ، فالضمير عائد إلى العدل الّذي يدلّ عليه لفظ الفعل تضمّنا ، أو سياق الكلام ، نحو : (وَلِأَبَوَيْهِ) [النساء / ١١] ، فالضمير عائد إلى الموروث الّذي دلّ عليه ذكر الميراث دلالة التزامية.
«ولو» كان سبق ذكره «حكما» أي محكوما به بأن يكون الغالب الّذي وضع له الضمير مذكورا لفظا ، لكن ليس سابقا لا لفظا ولا رتبة ، بل يكون متأخّرا ، فيحكم بسبقه حكما نظرا إلى وضع ضمير الغائب ، وذلك واقع في خمسة مواضع : وهي ما إذا كان الضمير مرفوعا بأوّل المتنازعين ، أو بنعم وبئس وما جرى مجراهما ، أو مبدلا منه
__________________
(١) من فيكون حتى هنا سقطت في «ح».