معنى الصّمد ومعنى الإيمان : «وضعتها» أى صنّفتها ، وأنشأتها «للأخ الأعزّ» أي لأجله. وفى القاموس الأعزّ : العزيز ، أبي تراب عبد الصّمد بن حسين بن عبد الصمد العامليّ ، وهو أخوه الأصغر ، كان شيخا فاضلا نبيلا ، إلا أنّه لم يكن في رتبة أخيه ، وله خلف إلى زماننا هذا ، مستوطنون ببلاد العجم. والصّمد السيد المصمود إليه في الحوائج ، من صمد إذا قصد ، والدائم الرفيع. وعن ابن عباس (رض) ، الصّمد : السيّد الّذى كمل في سودده ، وفسّره المشبهة (١) لعنهم الله بالمصمت الّذى لا جوف له ، وردّ بأنّ ذلك لا يكون إلا من صفة الجسم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
«جعله الله» أى صيّره ، وهي جملة خبرية لفظا ، إنشائية معنى ، «من العلماء العاملين» بعلمهم. والدّعاء له بذلك نهاية إرادة الخير له ، لما ورد في ذلك من الآثار وصحيح الأخبار.
«ونفعه بها وجميع المؤمنين». الإيمان أخصّ من الإسلام ، إذ هو إقرار باللسان ، ومعرفة بالجنان وعمل بالأركان. والإسلام هو الأوّل فقط. أو هما مترادفان كما مرّ. وفيه أربعة أقوال آخر ، والكلام فى ذلك يطول ، وليس هذا محلّه.
و «تشتمل» أى هذه الفوائد الصّمدية «على خمس حدائق» ، جمع حديقة ، وهي الروضة ذات الشجر والبستان من النخل ، أو كلّ ما أحاط به البناء أو القطعة من النخل ، كذا في القاموس ، وفيه استعارة مطلقة. فإن قلت هذه الحدائق هي نفس الفوائد ولا معنى لاشتمال الشئ على نفسه؟ قلت : اشتمالها عليها من قبيل اشتمال الكلّ على أجزاءه باعتبار أنّ المشتمل مجموع الأجزاء ، والمشتمل عليه كلّ واحد منها ، أو أنّ الأوّل مجموعها معا ، والثاني مجموعها لا معا ، أعني أحاد الأجزاء بالأسر ، ويحتمل أن يراد بالفوائد الألفاظ والنقوش ، وبالحدائق المعاني أو بالعكس ، إذ يصحّ أن يقال : الألفاظ قوالب المعاني ، كما يصحّ أن يقال : إنّ المعاني قوالب الألفاظ باعتبارين كما مرّ.
ووجه الحصر في هذه الخمسة أنّ المذكور فيها أمّا مقصود بالذات لا غير ، أو ما يتوصّل به إليه مع شئ مقصود بالذات ، الثاني الحديقة الأولى ، والأول إمّا أن يبحث فيه عمّا يتعلّق بالأسماء أو لا ، الأولي الحديقة الثانية ، والثاني إمّا أن يبحث فيه عمّا يتعلّق بالأفعال أولا ، الأول الحديقة الثالثة ، والثاني إمّا أن يبحث فيه عن الجمل والمفردات ، الأوّل الحديقة الرابعة ، والثاني الحديقة الخامسة ، ولا يضرّ خروج الديباجة ، لأنّ المراد حصر المقصد بالذات ، أو ما يتوصّل به إليه.
__________________
(١) هم فرقة شبهوا الله سبحانه بالأجسام.