معنى النحو في الأصل وحدّه اصطلاحا
ص : الحديقة الأولى : فيما أردت تقديمه.
غرّة : النحو علم بقوانين ألفاظ العرب ، من حيث الإعراب والبناء ، وفائدته حفظ اللسان عن الخطأ في المقال ، وموضوعه : الكلمة والكلام. فالكلمة : لفظ موضوع مفرد : وهي اسم وفعل وحرف. والكلام لفظ مفيد بالإسناد ، ولا يتأتّى إلا في اسمين ، أو فعل واسم.
ش : «الحديقه الأولى فيما أردت تقديمه» من بيان تعريف العلم الّذي هو بصدده وفائدته وموضوعه وتعريف موضوعه وأشياء أخر تمرّ عليك بالتفضيل إن شاء الله تعالى ، وإنّما قدّم ذلك لما قد تقرّر من أنّه من أراد الخوض بعلم من العلوم على الوجه الأكمل ، ينبغي له أن يتصوّر أوّلا حقيقة ذلك العلم بحدّه ليحصل له الإحاطة بجهة الوحدة الّتي باعتبارها جعلت المسائل الكثيرة علما واحدا ، فيا من فوات ما يعنيه والاشتغال بما لا يعنيه ، وإن يعرف فائدته وغايته ليصون سعيه عن العبث ، وإن يعرف موضوعه الّذي به يعدّ ليكون على زيادة بصيرة في طلبه.
فبيّن ذلك كلّه مقدّما له فقال : «غرّة» أي هذه غرّة ، بضمّ الغين المعجمة وتشديد الراء المهملة ، وهي بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم ، والغرّة من الشهر ليلة استهلال القمر. وفي الصحاح ، غرّة كلّ شيء أوّله وأكرمه. فعلى التفسيرين الأوّلين يكون فيه استعارة مطلقة للنحو. قال أبو الفتح بن جنّي في الخصائص : هو في الأصل مصدر شائع ، أي نحوت نحوا ، كقصدت قصدا ، ثمّ خصّ به انتحاء هذا القبيل من العلم ، كما أنّ الفقه في الاصل مصدر فقهت الشيء أي : عرفته ، ثمّ خصّ به علم الشريعة من التحليل والتحريم ، وذكر له نظائر في قصر ما كان شائعا في جنسه على حدّ أنواعه.
قال : وقد استعملته العرب ظرفا ، أنشد أبو الحسن (١) [من الرجز] :
__________________
(١) علي بن مؤمن أبو الحسن بن عصفور ، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس ، صنّف الممتع في التصريف ، شرح الجزولية ، ثلاثة شروح علي الجمل ومات سنة ٦٦٩ ، بغية الوعاة ، ٢ / ٢١٠.