فائدة علم النحو وموضوعه وتعريف الكلمة واللفظ : «وفائدته حفظ اللسان عن الخطاء في المقال» أي في الكلام والاستعانة على فهم كتاب الله تعالى والسّنّة ومسائل الفقه ومخاطبة العرب بعضهم بعضا. قيل : ومن ثمّ كانت معرفته واجبة ، لأنّ تعلّم الشرائع الواردة بلغة العرب لا يتمّ إلا به ، وكلّ ما لا يتمّ الواجب المطلق إلا به فهو واجب.
ثمّ اللحن من أقبح الأشياء في الانسان ، قال بعضهم : «لئن أقرأ فاسقط فأحبّ إلى من أن أقرأ فالحن» وكتب كاتب لأبي موسي الأشعري (١) ، إلى عمر ، من أبو موسى الأشعريّ ، فكتب إليه عمر : عزمت عليك لما قنعت كاتبك سوطا. وذكر أبو عبيدة (٢) أنّ هذا الكاتب هو حصين بن أبي الحرّ العنبريّ وأولاده ينكرون ذلك أشد الإنكار. وقال رجل لبنيه : يا بنيّ أصلحوا من ألسنتكم ، فإنّ الرجل تنوبه النائبة ، فيجب أن يتجمّل فيها ، فيستعير من أخيه دابته وثوبه ، ولا يجد من يعيره لسانه ، ولله درّ من قال [من الكامل] :
٨ ـ النحو يبسط من لسان الألكن |
|
والمرء يكرمه إذا لم يلحن |
فإذا طلبت من العلوم أجلّها |
|
فأجلّها منه مقيم الألسن (٣) |
«وموضوعه» موضوع كلّ علم ما يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتيّة ، وهي اللاحقة له أو لجزئه أو لغرض يساوي ذاته كالتعجّب اللاحق للذات لا بواسطة وكالحركة الإراديّة اللاحقة للإنسان بواسطة أنّه حيوان ، ولا شك أنّه جزء الإنسان وكالضحك العارض للإنسان بواسطة التعجّب. «الكلمة والكلام» هذا أحد الأقوال الثلاثة في موضوع علم النحو ، فقد قيل : إنّ موضوعه الكلمة فقط ، لأنّه إنّما يبحث فيه عن الإعراب والبناء وما يتعلّق بهما ، ولا ريب أنّ ذلك من الأحوال اللاحقة للكلمة ، وأمّا الحكم على بعض الجمل بالإعراب المحليّ فلتتريلها مترلة المفرد ووقوعها موقعه ، وقيل : إنّ موضوعه الكلام فقط ، لأنّ الكلمة لعدم استقلالها وحدّها وعدم حسن السكوت عليها لا تقع في المحاورات إلا في ضمن الكلام ، بل لا يظهر أثر الإعراب والبناء في آخرها إلا في ضمنه ، لا سيّما عند من ذهب إلى أنّها قبل التركيب لا معربة ولا مبنيّة.
وقيل : موضوعه كلاهما ، نظرا إلى كلا الوجهين. وقيل : بناء على تعارف القدماء إدراج الصرف تحت النحو وعليه ، فكان على المصنّف أن لا يذكر إلا موضوع علم
__________________
(١) الأشعري (أبو موسى) (ت ٤٤ ه / ٦٦٥ م) صحابيّ ، أحد الحكمين مع عمرو بن العاص في تحكيم بعد صفّين ، المنجد في الأعلام ص ٥٠.
(٢) هو أبو عبيدة معمر بن المثنّى ولد سنة ١١٠ / ٧٢٨ ومن المرجّح جدّا أنّ مولده كان بالبصرة ، وكان يعدّ من أجمع الناس علما بلغة العرب القدامي وتاريخهم. تاريخ التراث العربي ، فؤاد سزگين ٨٠ / ١١١.
(٣) لم أقف علي قائلهما.