الثاني : لابن مالك ، إنّ لكن غير عاطفة ، والواو عاطفة جملة ، حذف بعضها على جملة صرّح بجميعها ، قال : فالتقدير في نحو : ما قام زيد ولكن عمرو ، لكن قام عمرو ، وفي : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب / ٤٠] ، ولكن كان رسول الله ، وعلة ذلك أنّ الواو لا تعطف مفردا على مفرد مخالف له في الإيجاب والسلب بخلاف الجمليتن المتعاطفتين ، فيجوز تخالفهما فيه نحو : قام زيد ، ولم يقم عمرو.
والثالث : لابن عصفور ، إنّ لكن عاطفة ، والواو زائدة لازمة ، قال : وعليه ينبغي أن يحمل مذهب سيبويه.
الرابع : لابن كيسان إنّ لكن عاطفة ، والواو زائدة غير لازمة.
[الشرط] الثالث : أن يليها مفرد ، فإن وليها جملة فهي حرف ابتداء لمجرّد إفادة الاستدراك ، وليست عاطفة ، ويجوز أن تستعمل بالواو ، نحو : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزخرف / ٧٦] وبدونها كقول زهير [من البسيط] :
٥٦٠ ـ إنّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره |
|
لكن وقائعه في الحرب تنتظر (١) |
وزعم ابن أبي الربيع أنّها حين اقترانها بالواو عاطفة جملة على جملة ، وأنّه ظاهر قول سيبويه.
تنبيه : ذهب يونس إلى أنّ لكن لا تستعمل قبل المفرد إلا بالواو ، وأنّها هي العاطفة كما مرّ ، قال : وما يوجد في كتب النّحويّين من نحو : ما قام سعد لكن سعيد ، فمن كلامهم ، لا من كلام العرب ، ولذلك لم يمثّل سيبويه في أمثله العطف إلا بـ «ولكن». وهذا من شواهد عدالته وكمال أمانته ، لأنّه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو وترك التمثيل به ، لئلا يعتقد أنّه ممّا استعملته العرب ، انتهى.
وتبعه ابن مالك على ذلك ، إلا أنّه جعل العطف من قبيل عطف الجمل كما تقدّم بيانه وعلّته ، وفي قوله : إنّ سيبويه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو نظر ، فقد تقدّم ما حمل عليه ابن عصفور كلام سيبويه.
«وقد يعطف الفعل» الماضي والمضارع «على اسم مشابه له» في المعنى ، كقوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً* فَأَثَرْنَ) [العاديات / ٣ و ٤] ، (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) [الملك / ١٩] ، فعطف في الأولى أثرن ، وهو فعل ماض على المغيرات ، وهو اسم فاعل مشبه للفعل في المعنى ، لأنّه في تأويل : واللاتي أغرن ، وعطف في الثانية يقبضن ، وهو مضارع على صافات ، لأنّها في معنى يصففن ، قيل : والّذي حسن ذلك تأويل أثرن بمثيرات ، ويقبضن
__________________
(١) البيت لزهير بن أبي سلمي. اللغة : ابن ورقاء : هو الحارث بن ورقاء الصيداوي ، البوادر : جمع بادرة وهو ما يبدو من حدّتك في الغضب ، الوقائع : هنا جمع وقيعة بمعنى القتال.