بقابضات ، «أو بالعكس» ، أي يعطف الاسم المشابه للفعل في المعنى على الفعل الماضي أو المضارع ، كقوله [من الرجز] :
٥٦١ ـ يا ربّ بيضاء من الهواهج |
|
أمّ صبيّ قد حبا أو دارج (١) |
فعطف دارج على حبا ، وهو ماض ، لتؤوّل دارج بدرج ، أو حبا بحاب والعواهج بعين مهلة جمع عوهج ، وهي في الأصل الطويله العنق من الظبي والنوق ، والمراد بها هنا المرأة التامّة الخلق وقول الاخر [من الرجز] :
٥٦٢ ـ بات يعشّيها بغضب باتر |
|
يقصد في أسوقها وجائر (٢) |
فعطف جائر على يقصد ، وهو مضارع لتؤوّل جائر بيجور ، ويقصد بقاصد.
وجعل من ذلك ابن مالك قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) [الأنعام / ٩٥] ، وقدّر الزمخشريّ عطف مخرج على فالق ، قال في التصريح : ولكلّ منهما مرجّحان ، فيرجّح قول ابن مالك سلامته من الفصل بين المتعاطفين بجملة ، وذكر الشيء ومقابلة ، ويرجّح قول الزمخشريّ عدم التأويل والتوافق بين نوعي المتعاطفين.
تنبيه : قال بعضهم : في نظير هذا الموضع اقتضي اقتصاره في جواز تخالف المعطوف والمعطوف عليه على ما ذكر أنّ غير ذلك من تخالفها لا يجوز كعطف الجملة الاسميّة على الفعلية وبالعكس ، وعطف الخبر على الانشاء وبالعكس ، انتهى. وفي اقتضاء ذلك نظر.
هذا ، وعطف الاسميّة على الفعلية وعكسه فيه ثلاثة أقوال ، وتقدّم الكلام عليها في باب الاشتغال ، أمّا عطف الخبر على الانشاء وعكسه ، فقال في المغني : منعه البيانيّون وابن مالك في شرح باب المفعول معه في كتاب التسهيل ، وابن عصفور في شرح الإيضاح ، ونقله عن الأكثرين ، وأجازه الصّفار (٣) وجماعة ، انتهى.
قال البدر الدماميني في التحفة : وحاول الشيخ بهاء الدين السبكيّ في شرح التلخيص التوفيق بين النّحاة والبيانيّين ، فقال ما حاصله أنّ البيانيّين متّفقون على منعه ، و
__________________
(١) هو لجندب بن عمرو. اللغة : البيضاء : المراة الجميلة ، العواهج : جمع عوهج وهو الطويل العنق من الظباء والنعام والنوق ، والمراد هنا المراة التامّة الخلق ، حبا : رحف ، الدارج : الماشي مشيا ضعيفا.
(٢) لم ينسب إلى قائل. اللغة : يعشّيها : يطعمها العشاء ، ويروى يغشبها ، مأخوذ من الغشاء ، وهو كالغطاء وزنا ومعنى ، العضب : السيف ، باتر : قاطع ، يقصد : يقطع على غير تمام ، جائر : ظالم مجاوز للحد.
(٣) قاسم بن على بن محمد بن سليمان الأنصاريّ البطليوسي الشهير بالصفار ، صحب الشلوبين وابن عصفور وشرح كتاب سيبويه شرحا حسنا يقال أنّه أحسن شرح ، مات بعد ٦٣٠ ه ق. بغية الوعاة ٢ / ٢٥٦.