كلا وكلتا : «وكلا وكلتا للمثنّى» مذكّرا أو مؤنّثا ، ويكونان لتقرير شمول الحكم عند إرادة المتكلّم دفع ظنّ السامع به تجوّزا في الحكم على مدلول المتبوع المتعدّد ، وإنّما المراد بعضه ، نحو : جاء الرجلان كلاهما والمرأتان كلتاهما.
قال التفتازانيّ : وفي كون نحو ذلك لدفع توهّم عدم الشمول نظر ، لأنّ المثنّى نصّ في مدلوله لا يطلق على الواحد أصلا ، فلا يتوهّم فيه عدم الشمول ، أللهمّ إلا أن يقال : إنّ الفعل الصادر عن أحد المتصاحبين قد ينسب إليهما ، كما في قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن / ٢٢] ، وإنّما يخرجان من الملح الأجاج دون العذب الفرات ، فالتأكيد بكلاهما دفع مثل هذا ، انتهى.
ومنعه إطلاق المثنّى على الواحد ممنوع ، فإنّ العرب كثيرا ما تطلقه عليه مجازا ، ألا ترى إلى قول الشاعر [من الكامل] :
٥٧٦ ـ فجعلن مدفع عاقلين أيامنا |
|
وجعلن أمعز رامتين شمالا (١) |
فأطلق عاقلين ورامتين على جبل عاقل ورامة مجازا ، كذا قيل.
قلت : وفيه نظر ، إنّه لم يطلق عاقلين على عاقل ورامتين على رامة من غير اعتبار شيء آخر مع كلّ منهما ، بل الظاهر أنّه سمّي ما حول عاقل ورامة عاقلا ورامة ، ثمّ أطلق عليها عاقلين ورامتين من باب تغليب كالعمرين والقمرين كما قالوه في قول الفرزدق [من الطويل] :
٥٧٧ ـ عشيّة سال المربدان كلاهما |
|
... (٢) |
قالوا : إنّما هو مريد واحد ، لكنّه جعله وما حوله مربدين مجازا ، فلا حجّة في البيت على إطلاق المثنّى على الواحد ، فتدبّر.
تنبيهات : الأوّل : كما يؤكّد بكلا وكلتا المثنّى ، يؤكّد بهما في معناه ، نحو : جاء زيد وعمر كلاهما ، وزينب وهند كلتاهما ، فلو قال : وكلا وكلتا للاثنين بدل قوله للمثنّى ، لكان أولى.
الثاني : ذهب الفرّاء والفارسيّ وهشام إلى أنّ كلا وكلتا لا يؤكّدان ما لا يصلح في محلّه واحد ، فلا يجوز أن يقال : اختصم الزيدان كلاهما ، لأنّه لا يحتمل أن يكون المراد اختصم أحد الزيدين ، فلا فائدة في التوكيد.
__________________
(١) هو لجرير. اللغة : عاقل : جبل ، رامة : اسم موضع.
(٢) تمامه «سحابة يوم بالسيوف الصوارم» ، اللغة : المربد : الموضع الّذي تحبس فيه الابل وغيرها ، سحابة يوم : طوله ، الصوارم : جمع الصارم أي : القاطع.