وذهب الجمهور إلى الجواز ، وتبعهم ابن مالك في التسهيل ، واختلف النقل عن الأخفش ، واحتجّ المجيز بأنّ العرب قد تأتي بالتوكيد حيث لا احتمال ، نحو : جاء القوم كلّهم أجمعون أكتعون ، فالتأكيد بأجمع واكتع بعد كلّ لا يرفع بهما احتمال لرفعه بكلّ. قال أبو حيّان : والجواب أنّ المعنى إذا كان يفيده اللفظ حقيقة ، فلا حاجة للفظ آخر يؤكّده ، إلا إذا قوي برواية من العرب ، ولم يسمع من العرب التوكيد في ذلك.
الثالث : يشترط في التوكيد بهما اتّحاد معنى المسند ، فلا يجوز : مات زيد وعاش عمرو كلاهما. وهل يجوز اختلاف لفظه مع اتّحاد معناه ، نحو : ذهب زيد وانطلق عمرو كلاهما ، جزم بجواز ذلك ابن مالك تبعا للأخفش. وقال أبو حيّان : إنّه يحتاج إلى صريح سماع من كلامهم ، حتى يصير قانونا يبني عليه ، والّذي تقتضيه القواعد المنع ، لأنّه لا يجتمع عاملان على معمول واحد فلا يجتمعان على تابعه.
الرابع : قال ابن هشام : الظاهر أنّ التوكيد يبعد إرادة المجاز ، ولا يرفعها ألبتّة ، ولهذا يتأتّي الإتيان بألفاظ متعدّدة ، ولو صار بالأوّل نصّا لم يؤكّد كما لا يقال : اختصم الزيدان كلاهما ، ألا ترى إلى قول الفرزدق [من الطويل] :
٥٧٨ ـ عشيّة سال المربدان كلاهما |
|
... (١) |
وإنّما هو مريد واحد ، فجعله وما حوله مريدين مجازا ، فعلم أنّ التؤكيد لا يمنع أن يكون في المؤكدّ مجازا ما ، انتهى.
قلت : وفيه نظر ، أمّا نحو : اختصم الزيدان كلاهما ، فقد علمت أن الجمهور على جوازه ، وأمّا قول الفرزدق فليس المراد بالتوكيد فيه رفع إرادة المجاز في نفس المؤكّد ، بل رفع إرادته في نسبة الفعل إلى مدلول المؤكّد المتعدّد ، فإنّ التأكيد بكلاهما فيه إفادة شمول الحكم بالسيلان للمريد وما حوله ألبتّة ، فاندفع توهّم أنّ السائل إنّما هو المريد وحده ، لكنّه حكم بالسيلان عليه وعلى ما حوله مجازا ، وهذا نظير قولك : جاء العمران كلاهما ، وكسف القمران كلاهما ، وأمّا إرادة المجاز في المؤكّد نفسه فهي مقصودة للمتكلّم ، فكيف يرفعها.
التوكيد بكلّ وجميع وعامّة : «وكلّ وجميع وعامّة لغيره» أي لغير المثنّى «من ذي أجزاء» ، مفردا كان أو جمعا ، قال بعضهم : إذ الكلّية والاجتماع لا يتحقّقان إلا فيه ، و
__________________
(١) تقدم برقم ٥٧٧.