هذا مفهوم حدّ الكلمة ، وأمّا احترازاته فاللفظ وإن كان في التعريف بمثابة الجنس ، وهو إنّما يؤتى به لبيان أصل الذات لا لإخراج شيء ، إذ ليس قبله غير المعرّف ، إلا أنّه يؤذن بمباينة ما عداه للمعرّف ، وهذا معنى الاحتراز بالجنس كما أفاده ابن هشام في شرح اللمحة. ولذلك لا يقال : يخرج عنه أو يقال : إنّ الجنس هنا وهو اللفظ لما كان أخصّ من الفصل من وجه صحّ الاحتراز به من جهة خصوصه ، وأمّا تعيّنه حينئذ للجنسية دون الفصليّة فلكونه أظهر أوصاف الكلمة ، فقدّم ، وجعل جنسا ، واحترز به عمّا ليس بلفظ ، كالدّوال الأربع ، وهي الإشارات. والنّصب والعقد والخطوط ، فإنّها موضوعة وليست بكلمات ، وخرج بالموضوع غير الموضوع كالمهملات والمحرفات والألفاظ الدّالة بالطبع والعقل ، وبالمفرد المركّب ، وهو ما يدلّ جزؤه على جزء معناه. فإن حسن السكوت عليه فهو التامّ ، وإلا فهو الناقص كزيد قائم وعبد الله غير علم.
معنى المركّب وهل هو موضوع أم لا : وأورد أنّ نحو ضرب مفرد ، مع أنّه لا يصدق عليه تعريفه ، ويصدق عليه تعريف المركّب ، لأنّ جزءه وهو المادّة يدلّ على الحدث ، وجزءه الآخر وهو الهيئة يدلّ على الزمان ، وعلى نسبة ذلك الحدث إلى الفاعل المعيّن أو المبهم على الخلاف في ذلك.
والتحقيق هو الأوّل ، فانتقض التعريف جمعا ومنعا ، وأجيب بأنّ المراد بالجزء المعتبر في التركيب ما يكون مرتّبا في السمع ، والهيئة مع المادّة ليست كذلك ، بل يوجدان مسموعين معا ، فلا انتقاض ، هذا وإنّما يخرج المركّب بقيد المفرد على القول بأنّه موضوع ، وإلا فقد خرج بقيد الوضع كما هو مذهب جمع من المحقّقين منهم الرازيّ (١) وابن الحاجب وابن مالك ، قالوا : ليس المركّب بموضوع ، ودلالته على معناه عقليّة لا وضعيّة ، واحتجّ له ابن مالك في كتاب الفيصل على المفصّل بوجهين : أحدهما أنّ من لا يعرف من كلام العرب إلا لفظين مفردين صالحين لإسناد أحدهما إلى الآخر ، فإنّه لا يفتقر عند سماعهما مع الإسناد إلى معرفة معنى الإسناد ، بل يدركه ضرورة ثانيها أنّ الدالّ بالوضع لا بدّ من إحصائه ومنع الاستيناف فيه كما كان في المفردات والمركّبات القائمة مقامها.
__________________
(١) الرازي : هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا ، كان من أكابر أئمة اللغة ، أخذ عنه بديع الزمان الهمداني وغيره ، له تصانيف كثيرة منها : المجزل في اللغة ، وغريب إعراب القرآن ، توفّي سنة ٣٩٥ ه. محمد فريد وحدي ، دائرة معارف القرن العشرين ، المجلد الرابع ، الطبعة الثالثة ، بيروت ، دار المعرفة ، ١٩٧١ م ، ص ٣٩٥.