حذف جزء الاسم ، أم هو أمر مستحدث فيما بين المصنّفيّن ، لا أصل له في كلام العرب ، والأظهر هو الثاني قاله بعض المحقّقين من شراح الكافيّة.
الثاني : ردّ السهيليّ بدل البعض والاشتمال إلى الكلّ ، فقال : العرب تتكلّم بالعامّ ، وتريد الخاصّ ، وتحذف المضاف ، وتنوينه ، فإذا قلت : أكلت الرغيف ثلثة ، إنّما تريد أكلت بعض الرغيف ، ثمّ بنيت ذلك البعض بقولك : ثلثه ، وإذا قلت : أعجبني زيد علمه ، إنّما تريد أعجبني صفة زيد ، فبنيت بقولك : علمه ، تلك الصفة المحذوفة.
الرابع : «البدل المباين» للمبدل منه ، «وهو» ثلاثة أقسام ، ذكر المصنّف منها قسمين ، فقال : «إن ذكر للمبالغة ، سمّي بدل البداء» بالدّال المهملة والمدّ ، وبدل اضراب أيضا ، وذلك بأن تذكر المبدل منه عن قصد وتعمّد ، ثمّ توهّم أنّك غالط لكون الثاني مباينا للأوّل أجنبيّا عنه ، وهذا معتمد الشعر كثيرا للمبالغة والتفنّن في الفصاحة ، وشرطه أن يرتقي من الأدني إلى الأعلى ، «كقولك : حبيبي قمر شمس» ، كأنّك وإن كنت متعمّدا لذكر القمر توهّم من نفسك الغلط ، وترى أنّك لم تقصد في الأوّل إلا تشبيها بالشمس ، كذا قال الرضي. وقال غيره : إنّما سمّي بدل بداء لأنّ المتكلّم يخبر بشيء ، ثمّ يبدو له أن يخبر بآخر من غير إبطال الأوّل.
«ويقع» بدل البداء «من الفصحاء» ، بل هو من التفنّن في الفصاحة كما علمت ، ولا عبرة بمن أنكره ، فقد ذكره سيبويه ، ويشهد لصحّته قوله (ع) : إنّ الرجل ليصلّى الصلوة ، وما كتب له نصفها ثلثها إلى عشرها (١). وما قيل من أنّه محمول على إضمار بل ، ليس بشيء ، فإنّ بل لم يثبت حذفها.
«أو» ذكر «لتدارك الغلط» ، فاسمه «بدل الغلط» ، أو فيسمّي بدل الغلط ، «نحو : جاء زيد الفرس» ، أردت أن تقول : جاء الفرس ، فسبقك لسانك إلى زيد ، ثمّ تداركت الغلط فقلت : الفرس ، فمعنى قولنا : بدل غلط ، أنّه يدلّ عن اللفظ الّذي هو غلط ، لا أنّ البدل نفسه هو الغلط ، كما قد يتوهّم من ظاهر اللفظ «ولا يقع» بدل الغلط «من فصيح» ، ولا فيما يصدر عن روية فلا يكون في شعر أصلا.
وقد أهمل المصنّف القسم الثالث من أقسام البدل المباين ، وهو بدل النسيان ، وهو أن تعتمد ذكر ما هو الغلط ، ولا يسبقك لسانك إلى ذكره ، لكن تنسي المقصود ، ثمّ بعد ذلك تتداركه بذكر المقصود ، فمعنى قولنا : بدل نسيان أنّه بدل من شيء ذكر نسيانا.
__________________
(١) مسند أحمد بن حنبل ، لاط ، دار احياء الثرات العربي ، بيروت ، ٤ ، ١٩٩٤ / ٣١٩.