يوجد في شعره التقديم والتأخير كثيرا ، ويبطله أنّه يلزم عليه تقديم ما في حيّز الواو العاطفة ، وهو باطل.
الثاني : الأحسن في التعبير عطف أقسام بدل المباين ببل ، فيكون من عطف النسق ، لئلا يتوهّم كون البدل في ذلك صفة لما قبله ، كما في قولك : رأيت رجلا حمارا ، إذ يحتمل أن يكون أردت بقولك : حمارا جاهلا أو بليدا ، كذا قاله غير واحد ، وفي كلام بعض المحقّقين أنّ ادعاء الغلط وإظهاره في بدل البداء أبلغ في المعنى من التصريح بكلمة بل ، وهو ظاهر.
الثالث : قال بعض الأئمة : المختار خلافا للجمهور إثبات بدل الكلّ من البعض لوروده نحو : (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً* جَنَّاتِ عَدْنٍ) [مريم / ٦١ و ٦٠] ، فجنات أعربت بدلا من الجنّة ، وهو بدل كلّ من البعض ، وفائدته تقرير أنّها جنّات كثيرة لا جنّة واحدة ، وقوله [من الخفيف] :
٥٩٠ ـ رحم الله أعظما دفنوها |
|
بسجستان طلحة الطّلحات (١) |
فطلحة بدل من أعظم ، وهي بعضة ، وقوله [من الطويل] :
٥٩١ ـ كأني غداة البين يوم تحمّلوا |
|
... (٢) |
فيوم بدل من الغداة ، وهي بعضه ، انتهى. والجمهور يؤوّلون ذلك كلّه.
إبدال الظاهر من المضمر : هذا «هداية» إلى مسألة مهمّة من مسائل البدل ، «لا يبدل الظاهر عن المضمر بدل الكلّ من الكلّ إلا من ضمير الغائب ، نحو : ضربته زيدا ، وقوله [من الطويل] :
٥٩٢ ـ على حالة لو أنّ في القوم حاتما |
|
على جوده لضنّ بالماء حاتم (٣) |
وإنّما لم يبدل من ضميرى المتكلّم والمخاطب ، لأنّهما أقوي وأخصّ من الظاهر ، فلو أبدل منهما لزم أن يكون المقصود بالنسبة وهو البدل أقلّ دلالة من غير المقصود ، فلم يقولوا : بي المسكين مررت ولا عليك الكريم المعوّل. وأمّا ضمير الغائب فلم يكن في القوّة والوضوح ، كذلك لوجود الاشتباه ، فجوّزوا ضربته زيدا لذلك.
__________________
(١) هو لعبيد الله بن قيس الرقيات. اللغة : أعظم : جمع العظم أي : القصب الّذي عليه اللحم. طلحة الطلحات : هو طلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعي ، أو طلحة بن عبيد الله بن بري. لسان العرب ٣ / ٢٣٩٩.
(٢) تمامه «لدي سمرات الحي ناقف حنظل» ، وهو من معلقة امري القيس. اللغة : غداة والغداة : الضحوة. البين : الفرقة. سمرات : جمع سمرة من شجر الطلح. الحي : القبيلة. نقف الحنظل : شقه عن الهبيد وهو الحب.
(٣) هو للفرزدق. اللغة : ضنّ به : بخل بخلا شديدا.