فلو كان الكلام دالا بالوضع ، وجب ذلك فيه ، ولم يكن لنا أن نتكلّم بكلام لم نسبق إليه ، كما لا يستعمل في المفردات إلا ما سبق استعماله ، وفي عدم ذلك برهان على أنّ الكلام ليس دالا بالوضع ، انتهى.
والأصحّ كما قال القرافيّ (١) ، ويعزى إلى الجمهور : أنّ المركّب موضوع ، أي : بالنوع لا بالشخص ، فيكون خارجا بقيد المفرد كما قرّرناه ، وبيانه أنّ الوضع إمّا شخصيّ أن تعلّق بألفاظ معيّنة سماعيّة ، يحتاج في معرفتها إلى علم اللغة ، ونوعيّ أن تعلّق بألفاظ معيّنة ، يعرف به مفردات قياسيّة ، يحتاج في معرفتها إلى علم الصرف ، كما بيّن أنّ كلّ اسم فاعل من الثلاثيّ المجرّد على زنة فاعل ، وكلّ اسم مفعول منه على زنة مفعول ، إلى غير ذلك من القوانين الصرفيّة ، أو يعرف به مركّبات قياسيّة ، يحتاج في معرفتها إلى علم النحو ، كما بيّن أنّ كلّ مضاف مقدّم على المضاف إليه ، والفعل على الفاعل إلى غير ذلك من القوانين النحويّة ، فالوضع جار في المفردات والمركّبات معا.
زاد ابن مالك في التسهيل (٢) في تعريف الكلمة قيد الاستقلال لإخراج أبعاض الكلمات كحروف المضارعة وألف المفاعلة وتاء قائمة وياء النسب ، فإنّها ليست بكلمات لعدم استقلالها ، ومن أسقط هذا القيد كالمصنّف رأي ما جنح إليه الرضيّ من أنّها وما هي فيه كلمتان ، صارتا لشدّة الامتزاج كالكلمة الواحدة ، على أنّه أورد على ابن مالك أنّ مقتضى هذه الزيادة مخرج ضمير الفاعل كقمت مثلا ، فإنّه غير مستقلّ ، مع أنّه كلمة ، وأجيب بأنّ المراد بالمستقلّ ما يشمل المستقلّ بمرادفه ، وبأنّ الأصل في الضمير أن يكون مستقلّا ، نحو أنا وأنت وهو ، فلا يضرّ عروض اتّصاله لمعنى الثاني.
للمفرد ستّة معان : للمفرد ستّة معان ، فإنّه كما يطلق على ما يقابل المركّب كما هنا يطلق على ما يقابل (٣) المثنّى والمجموع على حدّه ، كما في باب الإعراب بالحركات وعلى مقابل المضاف وشبهه ، كما في باب النداء ولا النافية للجنس ، وعلى ما يقابل الجملة ، كما في قولهم الأصل في الخبر أن يكون مفردا ، وعلى ما يقابل العلم المزجيّ والإضافيّ والاسناديّ ، كما في باب العلم وعلى معنى الواحد كما في باب أسماء العدد ،
__________________
(١) شيخ شهاب الدين القرافي أحمد بن إدريس (ـ ٦٨٤ ه ق) مغربيّ عاش ومات في مصر ، من علماء المالكية ، له مؤلفات في الفقه والاصول والعربية. مغني اللبيب ص ١٦٨.
(٢) التسهيل هو كتاب «تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد» في النحو ، للشيخ جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بابن مالك النحويّ المتوفّي سنه ٦٧٢ ه. كشف الظنون. ١ / ٤٠٥.
(٣) هذه الجملة محذوفة في «ط».