فمنها أنّ عطف البيان لا يكون مضمرا ولا تابعا لمضمر ، لأنّه في الجوامد نظير النعت في المشتقات ، قال في المغني : ووهم الزمخشري وأجاز في (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة / ١١٧] ، أن يكون بيانا للهاء من قوله تعالى : (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) ذهولا عن هذه النكتة ، وممّن نصّ عليها من المتأخّرين أبو محمد بن السّيّد وابن مالك ، والقياس معهما ، وأمّا البدل فيكون عند الجمهور تابعا لمضمر كرأيته إيّاه ، ولظاهر كرأيت زيدا ، وخالفهم ابن مالك ، وقد مرّ الكلام على ذلك.
ومنها أنّه لا يخالف متبوبه في تعريفه وتنكيره ، وأمّا قول الزمخشريّ إنّ (مَقامُ إِبْراهِيمَ) عطف على (آياتٌ بَيِّناتٌ) [آل عمران / ٩٧] ، فقال ابن هشام : إنّه سهو ، ثمّ اعتذر عنه بقوله قد يكون عبّر عن البدل بعطف البيان لتآخيهما ، ولا يختلفون في جواز التخالف في البدل كما مرّ. قال الرضيّ ، والّذي يقول عندي إنّه يجوز التخالف في عطف البيان أيضا.
ومنها أنّه لا يكون جملة بخلاف البدل ، نحو : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) [فصلت / ٤٣] ، ونحو : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الأنبياء / ٣] ، وهو أصحّ الأقوال في عرفت زيدا أبو من هو.
ومنها أنّه لا يكون تابعا لجملة بخلاف البدل ، نحو (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) [يس / ٢١ و ٢٠] ، ونحو (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) [الشعراء / ١٣٣ و ١٣٢] ، وقوله [من الطويل] :
٦٠٣ ـ أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا |
|
وإلا فكن في السّرّ والجهر مسلما (١) |
ومنها أنّه لا يكون فعلا تابعا لفعل بخلاف البدل نحو : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً* يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) [الفرقان / ٦٩ و ٦٨].
ومنها أنّه لا يكون بلفظ الأوّل ، ويجوز ذلك في البدل بشرط أن يكون مع الثاني زيادة بيان كما مرّ ، وهذا الفرق ذهب إليه ابن الطراوة ، وتبعه ابن مالك وولده ، وحجّتهم أنّ الشيء لا يبيّن نفسه ، وقد مضي إبطالها على أنّ حجّتهم هذه تقضي أنّ البدل ليس مبيّنا للمبدل منه ، وليس كذلك ، ولهذا منع سيبويه : بي المسكين ، وبك المسكين ، دون به المسكين ، وإنّما يفارق البدل عطف البيان في أنّه بمترلة جملة استونفت للتبيين ، والعطف تبيين بالمفرد المحض ، قاله ابن هشام في المغني.
__________________
(١) لم يسمّ قائله.