تقدّم معمول المصدر عليه : «ولا يتقدّم معموله» أي المصدر «عليه» ، لأنّه عند العمل مؤوّل بحرف مصدريّ مع الفعل ، والحرف المصدري موصول ، ومعمول المصدر في الحقيقة معمول الفعل الّذي هو صلة الحرف ، ومعمول الصلة لا يتقدّم على الموصول ، وأمّا قوله [من الهزج] :
٦١١ ـ وبعض الحلم عند الجهل للذّلة إذعان |
|
... (١) |
فمؤوّل على إضمار فعل.
قال ابن هشام : وأجاز السهيليّ تقديم الجار والمجرور ، واستدلّ بقوله تعالى : (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) [الكهف / ١٠٨] ، وقولهم : أللهمّ اجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا ، انتهى.
وتبعه الرضيّ فقال : وأنا لا أري منعا من تقديم معموله عليه ، إذا كان ظرفا أو شبهه ، نحو : قولك : أللهمّ ارزقني من عدوّك البراءة وإليك الفرار ، وقال تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) [النور / ٢] ، وقال : (بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) [الصافات / ١٠٢] ، وفي نهج البلاغه : قلّت عنكم نبوته (٢). ومثله في كلامهم كثير ، وتقدير الفعل في مثله (٣) تكلّف ، وليس كلّ مؤوّل بشيء حكمه حكم ما أوّل به ، فلا منع من تأويله بالحرف المصدريّ من جهة المعنى ، مع أنه لا يلزمه أحكامه ، بلي لا يتقدّم عليه المفعول الصريح لضعف عمله ، والظرف وأخوه يكفيهما رائحة الفعل ، حتى أنّه يعمل فيهما ما هو في غاية البعد من العمل كحرف النفي في قوله تعالى : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [القلم / ٢] ، فقوله : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) متعلّق بمعنى النفي ، أي انتفي بنعمة الله وبحمده منك الجنون ، ولا معنى لتعلّقه بمجنون ، انتهى.
قال الدمامينيّ : وهنا نكتة ، ينبغي التنبيه لها ، وهي أنّ المصدر إنّما يتقدّر بالحرف المصدريّ والفعل ، حيث يكون فاعل المصدر أو نائبه مذكورا ، أمّا بطريق الرفع كما في أعجبني قيام الزيدان وضرب السارقان لإمكان التأويل هنا ، لأنّك إذا جئت بالفعل وجدت في اللفظ ما تستند إليه فيستقيم التأويل ، وأمّا حيث لا يكون للفاعل ولا نائبه ذكر في الترتيب أصلا ، فإنّ التأويل بذلك يمتنع لما يلزم من بقاء الفعل بلا فاعل أو نائب عنه.
__________________
(١) هو للفند الزماني.
(٢) نهج البلاغة ، ترجمة جعفر شهيدي خطبة ٢٢١.
(٣) حذف مثله في «ح».