لا يقال فاستعماله حينئذ في التعريف مخلّ ، لأنّا نقول : إنّما يكون استعمال الألفاظ المشتركة في الحدود مخلّا ، إذا لم تقم قرينة تعيّن المقصود ، أمّا إذا قامت قرينة تعيّنه فلا.
أقسام الكلمة الثلاثة وأدلّة الانحصار فيها : قدّم تعريف الكلمة على الكلام ، لأنّها جزءه ، والجزء مقدّم على الكلّ طبعا ، فقدّمها وضعا ليوافق الوضع الطبع ، ومن قدّم الكلام فلأنّه المقصود بالذات ، وهي أي الكلمة باعتبار مفهومها ثلاثة (١) اسم وفعل وحرف ، أي منقسمة إلى هذه الأنواع ، منحصرة فيها ، كما يفيده السكوت في مقام البيان والتقسيم أيضا ، إذ الأصل فيه أن يكون حاضرا ، والأدلّة على هذا الانحصار ثلاثة : أحدها الأثر ، وهو ما روي عن أمير المؤمنين (ع) وقد مرّ. الثاني : الاستقراء التامّ من أئمة العربيّة ، فإنّهم تتبّعوا كلمات العرب ، فلم يظفروا بغير هذه الثلاثة ، ولو كان ثمّ نوع آخر لعثروا عليه ، الثالث : الدليل العقليّ ، ولهم في ذلك عبارات : منها أنّ الكلمة موضوعة ـ كما مرّ ـ فتكون دالة لا محالة ، لأنّ الوضع من أسباب الدلالة.
فنقول : إمّا أن تدلّ على معنى غير مستقلّ بالمفهومية ، أو لا ، الأوّل حرف ، والثاني إمّا أن يدلّ على اقتران معناها بأحد الأزمنة الثلاثة أولا ، الأوّل الفعل ، والثاني الاسم ، ومنها أنّ الكلمة إمّا أن يصحّ إسنادها إلى غيرها أو لا ، فإن لم يصحّ فهي الحرف ، وإن صحّ فإمّا أن تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أو لا ، فإن اقترنت فهي الفعل ، وإلّا فهي الاسم.
ومنها أنّ العبارات بحسب المعبّر عنه ، والمعبّر عنه (٢) من المعاني ثلاث : ذات وحدث عن ذات وواسطة بين الذات ، والحدث يدلّ على إثباته لها أو نفيه عنها ، فالذات الاسم ، والحدث الفعل ، والواسطة الحرف.
وزاد أبو جعفر بن صابر (٣) قسما رابعا ، سمّاه الخالفة ، وهو اسم الفعل ، لأنّه خلف عن الفعل ، ولم يقل بذلك أحد غيره ، ولم يلتفت إليه أحد.
واعلم أنّ تقسيم الكلمة إلى هذه الثلاثة من تقسيم الكليّ إلى جزئيّاته ، كانقسام الحيوان إلى إنسان وفرس وغيرهما ، فيصحّ إطلاق المقسّم على كلّ من أقسامه ، وبهذا يندفع ما قد يقال : إنّ العطف بواو الجمع يقتضي أن تكون الكلمة مجموع هذه الثلاثة ، ومن جعلها أقساما للكلام فهو من تقسيم الكلّ إلى أجزائه ، كانقسام السكنجبين إلى خلّ وعسل ، فلا يصحّ إطلاق المقسّم على كلّ من أقسامه.
__________________
(١) من وهي حتي هنا سقطت في «ح».
(٢) والمعبر عنه سقط في «ط».
(٣) أحمد بن صابر أبو جعفر النحويّ ، الذاهب إلى أنّ للكلمة قسما رابعا ، وسمّاه الخالفة ، بغية الوعاة ١ / ٣١١. ولم يذكر تاريخ وفاته.