وظاهر كلام سيبويه أنّ النصب أولى من الجرّ ، وجزم به ابن هشام في المغني ، وهو الصحيح كما مرّ. وقال الكسائيّ : هما سواء ، وهو ظاهر كلام ابن مالك. وقال أبو حيّان : والّذي يظهر لي أنّ الجرّ أولى من النصب ، لأنّ الأصل في الاسمين إذا تعلّق أحدهما بالآخر الإضافة ، والعمل أنّما هو على التشبيه بالفعل ، فالحمل على الأصل أولى.
الخامس : لم يشترط الأخفش والكوفيّون الاعتماد محتجّين بقوله [من الطويل] :
٦٢٥ ـ خبير بنو لهب فلاتك ملغيا |
|
مقالة لهبيّ إذا الطير مرّت (١) |
وذلك أنّ بنو لهب فاعل بخبير مع أنّه لم يعتمد ، وأجاب البصريّون بأنّه على التقديم والتأخير ، فبنو لهب مبتدأ ، وخبير خبر ، وردّ بأنّه يلزم منه الإخبار بالمفرد عن الجمع ، وأجيب بأنّ فعيلا قد يستعمل للجماعة كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم / ٤].
حكم تابع ما أضيف اسم الفاعل إليه : فائدة : لك في تابع المعمول المجرور باسم الفاعل «كمبتغي جاه ومالا من نصب (٢)» الجرّ على اللفظ والنصب على المحل عند الكوفيّين وجماعة من البصريّين والزمخشريّ وابن مالك من المتأخّرين وبإضمار عامل عند سيبويه ومحقّقي البصريّين.
«ولا يعمل» اسم الفاعل «بمعنى الماضي خلافا للكسائي» ، وهو على بن حمزة الكوفيّ الأسديّ ، وإنّما قيل له : الكسائيّ لأنّه أحرم في كساء ، وقيل : لأنّه دخل الكوفة ، وجاء إلى حمزة بن جيب ملتفا بكساء ، فقال حمزة : من يقرأ؟ فقيل له : صاحب كساء ، فبقى عليه ، ووافقه هشام وابن مضاء ، وأجازوا إعماله بمعنى الماضي مع كونه عاريا من أل وغيره مقصود به الحكاية ، وحجّتهم من القياس أنّه في معنى الفعل مشتقّ منه ، وردّ بأنّ عمله لمشابهته له لا لكونه في معنى الفعل فقط ، وإلا لوجب أن يعمل لذلك اسم التفضيل ونحوه ممّا هو في معنى الفعل ، ومن السماع قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف / ٢٨] ، فباسط بمعنى الماضي ، وعمل في ذراعيه النصب ، ولا حجّة لهم فيه ، لأنّه حكاية حال ماضية ، والمعنى يبسط ذراعيه بدليل أنّ الواو في كلبهم للحال ولهذا قال تعالى : (وَنُقَلِّبُهُمْ) [الكهف / ١٨] ، ولم يقل : وقلبناهم.
__________________
(١) هذا البيت ينسب إلى رجل طائي ، ولم يعين اسمه. اللغة : خبير : من الخبرة ، وهي العلم بشيء. بنو لهب : جماعة من بني نصر بن الأزد ، ملغيا : اسم فاعل من الإلغاء بمعنى مهمل.
(٢) أشار إلى بيت من ألفية ابن مالك :
واجرر أو انصب تابع الّذي انخفض |
|
كمبتغي جاه ومالا من نهض |