وما في النّفس من المعنى ويعبّر عنه باللفظ المفيد ، وذلك كأن يقوم بنفسك معنى قام زيد ، وقعد عمرو ، فيسمّي ذلك الّذي تخيلته كلاما ، وهو المسمّى بحديث النفس ومنه قول الأخطل [من الوافر] :
١٣ ـ إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جعل اللسان على الفواد دليلا (١) |
قال أبو حيّان في الإرتشاف : والّذي يصحّ أنّ ذلك كلّه على سبيل المجاز لا على سبيل الاشتراك خلافا لزاعمي ذلك.
واصطلاحا «لفظ» ، أي ملفوظ ، ولو عبّر عنه بالقول لكان أولي لما مرّ ، واحترز به عمّا ليس بلفظ ، إن كان جنسا لما تقدّم.
معنى المفيد والفائده في الاصطلاح : «مفيد» أي دالّ على معنى يحسن السكوت عليه ، لأنّ الفائدة في الإصطلاح حيث وقعت قيدا للفظ أو القول ، فالمراد بها الفائدة التامة أي التركيبة لا النّاقصة الّتي هي الإفراديّة ، إذ هي غير معتدّ بها في نظرهم.
والمراد بحسن السكوت عليه ، أن لا يكون مفتقرا إلى شيء ، كافتقار المحكوم عليه للمحكوم به وعكسه ، فلا أثر لافتقاره إلى المتعلّقات من المفاعيل ونحوها ، وهل المراد سكوت المتكلّم أو السامع أو هما؟ أقوال ، أرجحها الأوّل ، لأنّه خلاف التّكلّم ، فكما أن التّكلّم صفة المتكلّم ، كذلك السكوت صفة له ، وخرج به ما لا فائدة فيه كالمركّب الإضافيّ والمزجيّ والإسناديّ المسمّى به كشاب قرناها ، ودخل فيه ما لا يجهل معناه ، كالسماء فوقنا ، والأرض تحتنا ، والنّار حارّة ، إلا أن يراد بالمفيد ، المفيد بالفعل فلا يسمّى كلاما ، وعليه جرى جمع ، وصرّح به ابن مالك في شرح التسهيل ، ونقله عن سيبويه وغيره ، والمحقّقون بل الأكثرون على خلافه ، وإلا لم يكن شيء من القضايا البديهيّة مع كثرتها كلاما مع أنها خبر بلا شكّ وكلّ خبر كلام.
ونازع أبو حيّان في شرحه على التسهيل فيما نقل ابن مالك عن سيبويه ، وقال ما أعلم أحدا يمنع ، قال زيد : النّار حارّة ، ولا قال : الكلّ أعظم من الجزء ، قال : وكان بعض أهل عصرنا يقول : العجب من هؤلاء النحاة يجيبون لا يصدق القضايا ، فيجعلونها ليست بكلام ، كقولنا : النقيضان لا يجمتعان ولا يرتفعان ، والضدّان لا يجتمعان ، وقد يرتفعان. ويلزمهم بأنّهم لمّا شرحوا الكلام بأنّه الّذي يفيد السامع ، علم ما لم يكن يعلم أنّ الكلام إذا طرق سمع الإنسان ، فاستفاد منه شيئا ، ثمّ طرقه ثانيا ، وقد علم مضمونه
__________________
(١) اللغة : الفؤاد : القلب.