لأنّهما لما لم يشتقّا من فعل خولف لفظهما ، فعلى هذا فيهما شذوذان : حذف الهمزة ، وكونهما لأفعل لهما.
قال ابن هشام : من عبّر باسم التفضيل (١) أجراه مجرى قولهم اسم الفاعل ، ومن قال أفعل التفضيل احترز به عن نحو : أفكل وأحمر. قال : ولو سمّوه بأفعل الزيادة لكان عندي أولى ، لأنّ التفضيل وإن كان في الأصل من الفضل الّذي هو الزيادة ، إلا أنّه يرد مستعملا كثيرا بمعنى ترجيح الشيء على غيره في صفات المدح ، وإن كان ذلك ليس مقتضي الاشتقاق بدليل : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) [النحل / ٧١] ، ولكنّه في العرف متى لم يقيّد برزق ونحو ، لا يراد به إلا ما قدّمنا ، وحينئذ فلا يشمل نحو : زيد أجهل من عمرو وأحمق منه ، ثمّ إنّ حقيقة فضله جعله فاضلا لا نسبة إلى الفضل ، وأنت إذا قلت : زيد أعلم ، إنّما نسبته إلى الزيادة في العلم ، ولم تجعله أنت زائدا ، فقد استعملت فضلت بمعنى (٢) نسبة إلى الفضل ، وهو مستعمل ، لكنّه خلاف الوضع الأصليّ ، لأنّ معنى فضل بالتخفيف زاد ، ومعنى فضّل بالتشديد جعله زائدا كفرح زيد وفرّحته ، فيكون فضله بمعنى عدله ، انتهى. وسيبويه يسمّيه الصفة.
«وهو ما دلّ على موصوف» شمل جميع الصفات «بزيادة على غيره» أخرج ما عدا المحدود ، أي وضع للموصوف بالزيادة فلا يرد زائد ، لأنّه لم يوضع للموصوف بالزيادة ، بل لمن قام به الشيء إلا أنّه جعله كون القائم به الزيادة زائدا ، ولا طائل بمعنى الزائد في الطول ، لأنّه لم يوضع له ، بل لمن قام به الطول ، إلا أنّ عدم وصف العرف بالمتّصف بالطول إلا من له زيادة في الطول جعله بمعنى الزائد في الطول ، فكذا قال بعض المحقّقين من شرّاح الكافية.
والمراد بالغير أعمّ من الغير بالذات أو بالاعتبار كما في قولك : هذا بسرا أطيب منه رطبا. والمراد بالزيادة على الغير أعمّ من الزيادة في قيام الفعل به أو وقوع الفعل عليه.
شروط ما يصاغ منه أفعل التفضيل : «ولا يبنى إلا من فعل ثلاثيّ» والمراد به ما كان حروفه ثلاثة ، كما هو اصطلاح النّحويّين ، لا ما حروفه الأصليّة ثلاثة ، سواء اشتمل على زيادة أم لا ، كما هو اصطلاح الصرفيّين ، ولهذا استغنى عن التقييد بالتجريد.
«تامّ متصرّف قابل للتفاضل» في الصفات الإضافيّة الّتي يختلف بها أحوال الناس ، سواء كانت بالنسبة إلى شخص واحد في حالين كالعلم والجهل أو شخصين كالحسن و
__________________
(١) سقطت هذه الجملة في «ح».
(٢) في «ح» سقط بمعنى.